شعار قسم مدونات

فِصام فيسبوكّي

blog فيسبوك

إذن لايزال العالم البغيض متمسكاً ببقايا هذا العام حتى نهايته على ما يبدو إلى الوقت الذي يرتوي بالدّم، يتجرّعه كأساً كأسا بصحّة هذا البشري الحزين، ويسقينا علقمها حدّ القرف يزورنا بين الفينة والأخرى ليطبع على جبين التّاريخ وصمة عار وخذلان تلاحقنا حتى نقف هنا ويسألني دم الشّهيد أين كنت.

 

ولا نزال نحن المرابطين القابعين خلف أسوار الفيسبوك نضجّ بأفئدتنا بين الصّفحات نتمعّن بالمشاركات ونحُصي كمّ الأخبار المتوافدة من هنا وهناك، وفجأة يُخرج كلٌّ منّا الصّحفيّ الصّغير الذي في داخله ويبدأ بنشرٍ العاجل و الهام متحصنين ب لايكات منثورة على بقاع البروفايلات وتعليقات بالجملة في زوايا المنشورات.
 

كل الشّعارات تلك تقف مخذولة على جدار خُط عليه تاريخ العودة بدم الشّهيد عند قلب أم تحصد أشلاء ولدها لتنعم بالسّلام الاخير.

وترانا عند أول حادثة نزقّ الزّقاق ونقصّ الزّحام متأهبين لأول تحليل سياسي بعد المليون نرصّ الحروف نضع الفواصل والشدّة مهمه في هذه الحالة نكثر من الهاشتاغات ونبني سطوراً لا عماد لها نهاجم هذا ونخوّن ذاك ونخرج من ملّتنا بقصد قصف الأخر فيسبوكيّاً حتّى نحصد في نهاية اليوم إعجابات بالمجّان لا بأس بها وياليت المزيد.

 

وعند الحوادث التي تقبل الكثير من وجهات النظر وطرح الآراء ياويلنا نسحق كلّ من يخالفنا، نهزّه هزّاً عنيفاً ونخلط الحابل بالنابلّ من أجل أن نملأ صفحاتنا بالانتصارات الوهمية والشّعارات الرّنانة لنُعجب هذا ونكسر عين الآخر هُنا أيضاً، تجد كلّ المتناقضات حاضرة في سُلّم "التايم لاين" يعني من المعقول أن نُدين الدم الفلاني ونفرح للدم الآخر.

 

يا صديقي صدّقني أن الدم لا انتصار فيه ولا شماتة، وأن في العالم الموازي هناك فاجعة حقيقية رمادها أبرياء وضحايا لا ينتظرون شعارات فيسبوكيّة والسّلام، كل الشّعارات تلك تقف مخذولة على جدار خُط عليه تاريخ العودة بدم الشّهيد عند قلب أم تحصد أشلاء ولدها لتنعم بالسّلام الاخير.

 

ويبقى العالم هو نفسه لا يغيّر من بشاعته شيء يبدأ من حيث الانتهاء وتبقى أنت في دوامتك كائن يجري في دائرة جوفاء عالم تتعالى فيه أصوات القمم يضجّ فيه دويّ الانفجارات.. تتعالى الإدانات والاستنكارات.. نتراشق الاتهامات.. جملة من الجثث أشلاء ممزّقة نحيب في كلّ مكان تتحاشد القوى يجنّ رأسك من الدّمار والضحيّة تبقى أنت. دعكَ من زيفِ الوحش الإنساني الصغير، أهمله بالتخلّي، هدهد عليه ثم اقتله في داخلك، اسحقه كلّه، وانثره رماداً حتى تتنعّم بإنسانيتك كاملة غير منقوصة.

 

يا صديقي مازلت إنساناً إلى الحد الذي يجعلك تتخذ موقفاً شجاعاً غير مهزوم فقط تحسس بقايا الإنسانية فيك وداوِ جرحها ضمّها إليك وامتحن الصمت والصبر الذي في داخلك امنحه فسحة سماويّة النقاء وأرنا عجائب مقدرتك بعيداً عن مسكّنات الفيسبوك وجعجعة الفراغ وترانيم الكسل وتأكد حينها بأنك أصبحت تشبه الشّمس في إشراقها من جديد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.