شعار قسم مدونات

لست وحدك!

blogs - human

لست وحدك الذي يُكابد في دنياه، باحثًا عن إجابة أسئلته الوجوديّة، مُمتطيًا صهوة نفسه المتنازعة؛ لتكون معراجًا له نحو الله.

لست وحدك المُبتلى في حياته، بشتّى الابتلاءات، نعمةً كانت أو نقمةً، جاهدًا في أن يكون عبدًا شكورًا لا كفورًا.

لست وحدك الذي يقضّ مضجعه ما تعيشه أمّته من خَوَار لا يملك إلى دفعه سبيلًا وهو مُكبّل اليدين.

لست وحدك الذي يقتله عجزه عن التغيير وهو يرى أمام عينيه ما يبذله تذروه الرياح هباءً.

لست وحدك الذي أضناه البحث عن ثغره الذي تُؤتى منه الأمّة؛ لينافح عنه حتّى الممات، شاعرًا بقيمة وجوده، ومحقّقًا لمعنى استخلافه.

 

لست وحدك الذي يترنّح بين الخير والشر، راجيًا الفكاك من براثن إبليس، والدنيا، والنفس، والهوى؛ ليجني ثمرة النعيم الأبديّ.

لست وحدك الذي يؤرّقه التفكير في الحال والمآل، مُتصبّرًا بوعد الله وسننه الكونيّة، وقلبه مُعلّق بــ "والله مُتِمُّ نُوره" وهو يصارع ضجيج تساؤلاته.

لست وحدك مُشتّت العزمات، لا تكاد تستقر على أمر إلّا شرعت في سواه، فلا أرضًا قطعت، ولا ظهرًا أبقيت.

لست وحدك الذي يسعى في مناكب الأرض يبتغي من رزق الله، وضميره بين عينيه يحجبه عن القنوط والجحود، متسلحًا بالتوكل والرضا؛ خشية أن تزل قدمه إلى التسخّط.

لست وحدك الذي فقد كلّ معنًى يرشده إلى النور في غمرة بحثه عن ذاته، فانتهى به الحال إلى الموت حيًّا.

لست وحدك الذي هدّ التعب روحه وكساها يأسًا، مختنقًا بحبال الأماني الكاذبة.

 

لست وحدك الذي اقتلعته رياح الفشل من مكانه؛ فقضى عمره ينقّب عن جذع يسكن إليه.

لست وحدك الذي بنى قصورًا من الوهم؛ فانهارتْ على قلبه حتّى استحال خرابًا.

لست وحدك الذي أعياه البحث عن الحقّ خالصًا من الهوى، مخافةَ أن يُلَبَّس عليه فيتجاذبه هذا تارةً وذاك تارةً أخرى.

لست وحدك الذي يترنّح بين الخير والشر، راجيًا الفكاك من براثن إبليس، والدنيا، والنفس، والهوى؛ ليجني ثمرة النعيم الأبديّ.

لست وحدك الذي حمل رفات أحلامه ودفنها في أعماقه، ماضيًا في حياته يطوي الألم بين جنبيه دون أن تسمع له أنينًا.

 

لست وحدك الذي تقضم الوحدة قلبه رويدًا رويدًا، وما من رفيق يَأْنَس به شاكيًا إليه ما يجد ويلاقي من متاعب.

لست وحدك الذي يكتم عشقًا تتلظّى بناره، مُحاولًا إخماده في أعماقك وبريقه بادٍ في عينيك، بيدَ أنّه مُحال.

لست وحدك الذي يُغالب نفسه الواهنة؛ لتستقيم على الطريق قبل أن يتخطّفها الموت حين غفلة.

لست وحدك الذي يُفتّش في ثنايا الغيب عن طمأنينة الإيمان؛ ليغتسل فؤاده ممّا علق به من أدران الشكّ.

لست وحدك الذي أودى به عقله إلى المهالك حين استعصى على الاستسلام لله؛ فقضى عمره تائهًا في دياجي الكِبْر.

 

لست وحدك الذي يتحسّس نبض إيمانه بين الفينة والأخرى، مستعينًا بتأمّلاته في صفحة الكون الفسيح؛ لتكون له زادًا على أهوال الدهر ونوائبه.

لست وحدك الذي يخشى الجزع، فيعمد إلى استنطاق الأقدار وقراءة رسائل الله منها؛ تسليةً لقلبه المكدود.

لست وحدك الذي ينحت من وحي قلبه المعنى، مُستخلصًا فكرةً نبيلةً تشرق أنوارها في عتمة نفسه.

لست وحدك الذي تمخّض صبره علقمًا، وعاد بخُفّيْ حُنَيْن والأسى يغمره.

لست وحدك الذي يكتب بمداد قلبه لمن لا يقرأ، فيعترضه سؤال الجدوى ممّا يفعل ويعيقه عن المسير.

لست وحدك الذي يدفع ثمن ما وهبه من حبٍّ صادق من رصيد نفسه، محتملًا كلّ شوكة غرسها الورد في قلبه، وهو يفيض بالرضا.

 

لست وحدك الذي أفنى عمره وهو يسابق الزمن، لاهثًا خلف السراب.

لست وحدك الذي يتحسّس نبض إيمانه بين الفينة والأخرى، مستعينًا بتأمّلاته في صفحة الكون الفسيح؛ لتكون له زادًا على أهوال الدهر ونوائبه.

لست وحدك، فلا تظُنَّنَّ نفسك بِدَعًا من الناس، فجميعهم يواجه الاختبار نفسه، ويكافح الكفاح ذاته، وإن تعدّدت المشارب، واختلف الشكل، فقد اتفق المعنى، فكُفّ عن الشكوى والبكاء، ورفقًا بمَن حولك قبل أن تُسلّط عليهم سياط لومك ووخز عتابك لعدم مراعاتهم لك، ولا تُحَمِّلَنَّهم فوق طاقتهم وأنت لا علمَ لك بما يختلج في نفوسهم، وما يعتصر قلوبهم من وجع.

لست وحدك، فلقد وحّدتنا الحياة، وأغرقتنا في بحارها، وها نحن نتخبّط في لججها، وأصدق ما نرجوه النجاة.

لست وحدك في هذا العالم، يا عزيزي، كلّنا مُتْعَبون!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.