شعار قسم مدونات

قطعة قماش

BLOGS - الحجاب

أذكرُ قصةً انتشرت حولَ امرأةً اعتادَت قطع رأسِ السمك قبل أن تقوم بِطَهْيه، وعندما سألتها ابنتها عن السّبب لم تعرف الأم إجابةً إلّا أنَّها رأت والدتها تفعلُ ذلك. ذهبَت الفتاة لجدتها تسألها فإذا بالجدةِ تخبرها أنها كانت تفعل ذلك بسبب صغر الإناء الذي تستخدمه لِلطَهي. اكتشفت الفتاة حينئذ أن والدتها تكرر ما رأته دون أن تُدرك عدم حاجتها له. عن نفسي، لا أريدُ أن أكون كهذه الأم، ولا أريدُ أن أفعلَ ما لا أفهم، ولا أريدُ ألّا أجِدَ إجابةً على أمرٍ إذا سُئلتُ لماذا أفعله.

قرأتُ قبل فترةٍ مقالاً استوقفني طويلاً بعنوان "إلى فتاة محجَّبة" لرزان الزيود جميلة الكلمات، رقيقة التعابير. ووجدتُني أحاكي صدقها فأسأل نفسي: "لماذا أتحجب؟". في داخلي قناعة تجاه هذا الحجاب تجعل منه ما يفوق كونه "قطعة قماش" على رأس صبيةٍ في الشارع أو أمام الغرباء، لا أجدُ فيه ضعفاً أودُّ أن أنتهي منه، ولا قُصوراً أتمنى لو لم يكن، ولا حاجباً أبحث عن رأي يبعده عني. فما السبب وراء ذلك؟
 

أجدُ في هذا الحجاب يوماً بعدَ آخر عاملاً من عواملِ التمكين التي تحقِقُ به الأنثى وصلها مع الله؛ ولذا كان شرط الصلاة حجاب وأدبُ الدعاء حجاب وصفةُ العبّاد حجاب.

لقد جاءت الشريعةُ إلى الإنسان لتصقُلَ فيه ما يمكّنه من التحكم في غرائزه وشهواته ليستخدمها في مواضعها الحقيقية ثم وضعت له عباداتٍ وسلوكيات تحوّل هذا التمكين إلى تطبيق واقعي، فأرشدَت الأنثى مثلاً لأن تمتلكَ في هذه الحياة عفّةً تُبقي عليها شخصيتها القادرة على الإنتاج والعطاء والبناء في المجتمع لكن تحفَظَ لها إلى جانب ذلك أن يقدّرَ عطاؤها في هذا المجتمع بناءً على عملها وما قدَّمت لا على شكلها الخارجي أو جسدها، فأرادَ لها أن تخرجَ من بيتها دون أن تؤذى فما من شيءٍ يؤذي المرأة الرصينة أكثر من أن يحدد لها المجتمع قالباً عليها أن تظهر وفقه كي تزدَد قبولاً.
 

فكان أن ترجمت الشريعةُ هذه العفة بتطبيقٍ حقيقي تلمسه على أرض الواقع بفرضِ حجابٍ عليها لا ينحصر بكونه غطاءً للرأس فحسب، بل هو أسلوب حياةٍ تعيشه هذه المرأةُ في البيت قبل الشارع ومع الأقرباء قبل الغرباء. وبذلكَ فإنّ كلَّ فتاةٍ تحقق هذه العفةَ بداخلها وتملك هذا المعنى بأن المرأة تنشرُ في المجتمع الفكرَ والنخوة لا الإثارة والنشوة أراها مُحجبَة إلّا أنَّ هذا الحجاب لم يكتمل بعد. وأن اؤمن بالله يعني أن اؤمن بوجود قدرةٍ تظهرُ الانسجام ما بينَ هذا المعنى الداخلي للعفة والمظهر الخارجي.
 

أجدُ في هذا الحجاب يوماً بعدَ آخر عاملاً من عواملِ التمكين التي تحقِقُ به الأنثى وصلها مع الله؛ ولذا كان شرط الصلاة حجاب وأدبُ الدعاء حجاب وصفةُ العبّاد حجاب لا في الإسلام فحسب بل في كلِّ الشرائع والأديان. وأجدُ فيه معنى من الإرادة عرفت الشريعة كيف تكسبني إياه، فالأنثى القادرة على ضبطِ محبتها لأن تظهر بأبهى زينة وأحلى هيئة لأجل أن تحقق تطبيقاً واقعياً للمعنى الذي بداخلها، تستطيعُ بعدها أن تمتلك الإرادة التي تمكنها من التحكم بعواطفها وانفعالاتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.