شعار قسم مدونات

مشاهداتي للجزء الثاني من مسلسل أرطغرل

blogs-ارطغرل
كتبت منذ حوالي شهر تدوينةً بعنوان دعوة لمشاهدة مسلسل أرطغرل، وكنت وقتها قد شاهدت الجزء الأول فقط، ثم أكملت مشاهدة الجزء الثاني كاملا (35 حلقة) والحلقات التي تم إذاعتها من الجزء الثالث (10 حلقات)، هذا المسلسل التركي الذي يحكي قصة حياة أرطغرل بن سليمان شاه والد عثمان خان مؤسس الدولة العثمانية، فأحببت أن أضيف هنا المعاني الجديدة التي استخلصتها والتي استشعرت حرص صانعي المسلسل على نشرها.

1- العز بالجهاد والذل في تركه:
مما ينبغي استحضاره هنا، أن المسلسل يتحدث عن حقبة تاريخية صعبة بالنسبة للمسلمين، حيث القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي هو قرن الضعف الشديد الذي عانته الخلافة العباسية، وكانت مُقسَّمة ممزقة الأوصال حتى سقطت بغداد عاصمة الخلافة في يد المغول عام 656هـ، في نفس الوقت الذي تكررت فيه الحملات الصليبية من جهة الشرق، وما تمكن أحد من وقف التمدد المغولي في بلاد الإسلام إلا قطز والمماليك في موقعة عين جالوت الشهيرة عام 658هـ، بل إن الدولة السلجوقية التي يتكلم عنها المسلسل قد قُتِلَ سلطانها وسقطت عاصمتها قونية في يد المغول عام 698هـ.

لم يغفل المسلسل موضوع اشتراط القوة من أجل إقامة الحق والعدل، حيث كان أرطغرل يستعمل السيف للقضاء على الطواغيت ورؤوس المجرمين، ثم بعد ذلك ينشر الحق والعدل وسط الناس

بدأ الجزء الثاني من المسلسل بفاجعة واجهتها قبيلة كايا، حيث لقيهم المغول قتلا وحرقا حتى وقع أرطغرل نفسه بالأسر وظن إخوته أنه قُتل، وبعد أن تمكن أرطغرل من الهرب بدأ صراع بينه من جهة وأخويه الأكبر والأوسط وخاله من جهة أخرى، حيث يصر أرطغرل على رفع راية الجهاد ومواجهة المغول، والطرف الآخر يريد أن يبتعد عن ساحة المعركة والعيش في مكان آمن يُحصِّلون فيه رزقهم بسهولة ويسر.

وفي الوقت الذي يجد فيه فريق البحث عن الأمن والرزق أنصارا من السادة وأهل الشورى في القبيلة، لا يترك لهم العدو فرصة ويهاجمهم بين الحين والآخر، بل يعلن لهم بكل صراحة أنه سيتبعهم حيث ذهبوا ولن يتركهم يعيشون في أمان، وعندما وقع القائد المغولي (بايجو نويان) في الأسر وتم تخليصه بحيلة سماها أصحابها (عقد صلح) قال لهم نويان متبجحا: "المغول لا يعرفون شيئا اسمه مصالحة، الصلح عندنا مجرد حيلة نخدع بها الضعفاء".

وهنا يظهر للجميع صحة رأي أرطغرل الذي أكد لهم أن أصلح طريق للحصول على الأمن والرزق هو مجاهدة الأعداء ومواجهتهم وليس الهروب منهم، فهو طريق العز الحقيقي الذي قال عنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: "وجُعِلَ رزقي تحت ظل رمحي" وما ترك قوم الجهاد إلا ذلّوا، هذا بمقاييس الدنيا، فكيف إذا أضفنا إليها عذاب الله عز وجل وعقابه "إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم"، وبالفعل سار أرطغرل ومن وافقه من المجاهدين والأهالي في هذا الطريق، حتى عَمّر أرطغرل أكثر من تسعين عاما، وأعلن ولده عثمان الأول دولته التي عُرِفت بالدولة العثمانية عام 699هـ.

2- حب الدنيا قد يصل بالإنسان لبيع دينه:
هذا المَعْلم كان موجودا في الجزء الأول لكنه لم يكن بارزا مثل الجزء الثاني والثالث، فالذي يقوم بدور الخيانة والغدر هنا هو سعد الدين كوبيك وزير السلطان، وقد كان هدفه أن يموت السلطان علاء الدين ويصبح هو سلطانا مكانه، وفي سبيل ذلك لم يتورع أن يتحالف بل ويتآمر مع المغول ومع الصليبيين، وسعى أكثر من مرة لِأن يُقتل أرطغرل على يد المغول أو الصليبيين بسبب ما رآه من قوته واتساع نفوذه وحب السلطان وتقديره له.

كما كاد كوبيك أكثر من مرة لإسقاط مكانة أرطغرل عند السلطان وإحداث وقيعة بينهما، ومن ذلك أنه اتهمه بمحاولة إنشاء دولة داخل الدولة، وهي تهمة لم تختلف كثيرا عما يحاول بشار الأسد والسيسي وأمثالهم اتهام الحركة الإسلامية عموما والمجاهدين خصوصا به.

وهكذا يتحول دور الرجل الذي ينبغي أن يكون سعيه من أجل توسيع دولته وتعظيم شأنها ليصبح خنجرا مسموما في ظهرها، وهذا يؤكد ما ذكرته في المقال السابق عن كون الخيانة والغدر من الداخل أعظم الأسلحة التي تُمَكّن الأعداء من هزيمتنا والإثخان فينا، وفي المقابل يظهر كيف كان أعداؤنا جبناء كما وصفهم الله "لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرىً محصنة أو من وراء جدر" حيث لم يكونوا على درجة من الشجاعة لمواجهة أبطال المسلمين مواجهة شريفة بغير خيانة ولا تآمر من الداخل، بل حتى في العصر الحديث، لم يتمكن الروس من قتل القائد سيف الإسلام خطّاب عام 2002 في الشيشان إلا عبر رسالة مسمومة سلمها له أحد الخونة في صفوف المسلمين، كما لم تتمكن القوات الروسية والميليشيات الإيرانية الرافضية وقوات النظام السوري من احتلال حلب مؤخرا إلا بنفس الطريقة وهي زرع العملاء في مناطق تواجد المجاهدين.

3- الإسلام انتشر بالسيف والعدل معا:
كان من اللافت أن المسلسل لم يغفل موضوع اشتراط القوة من أجل إقامة الحق والعدل، حيث كان أرطغرل يستعمل السيف للقضاء على الطواغيت ورؤوس المجرمين، ثم بعد ذلك ينشر الحق والعدل وسط الناس بغض النظر عن دينهم، مما كان له أكبر الأثر في دخولهم في الإسلام، حيث كانوا يشعرون بالفرق الكبير في المعاملة بين من هم على نفس دينهم ومعاملة القائد المسلم أرطغرل بن سليمان شاه.

في النهاية أؤكد على أن هذه الخلاصات معتمدة على مشاهدة المسلسل بغض النظر عن موافقته للحدث التاريخي من عدمه

وهي قاعدة ثابتة في تاريخ الفتوح الإسلامية، فبدون قوة وشدة مع المتكبرين والمتجبرين وبلا قطع لرؤوس الكفر والغدر لا يستطيع مسلم إقامة الحق والعدل الذي يحمله، ولولا الغزوات والفتوحات التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم والقادة المسلمون من بعده لما استطعنا إظهار الإسلام على حقيقته وإبراز سماحته ورحمته ويسره، لذلك كان الأمر الرباني: "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم" وبغير ذلك فلا وجود أبدا لدولة الحق والعدل الذي تحلم بها عموم الشعوب.

4- العبد المخلص والصديق الوفي مهما تلاعب به الشيطان فرجوعه سريع:
وقد ظهر هذا بشكل متكرر مع (تورغوت) أقرب شخصية لأرطغرل والذي أصبح أمير الجند عندما أصبح أرطغرل سيدا لقبيلة كايا، وقد تحول تورغوت لحالة خصومة وعداء ثلاث مرات إلى الآن، الأولى كانت بفعل سحر الصليبيين عندما وقع أسيرا في أيديهم، والثانية عندما اختلفوا في التعامل مع بايجو نويان عندما أسروه، والثالثة كانت عندما تعرض لإصابة بالغة وقُتل من معه من الجنود عند اعتداء قطاع الطرق عليهم أثناء إحدى تحركاتهم.

وفي المرة الأولى نفعته نصيحة سجين معه بكثرة ذكر الله عز وجل، وفي الثانية استرجع ذكرياته مع أصدقائه ورفقاء دربه والبطولات التي تشاركوا، وفي الثالثة أحب هو ابتداء أن يستغل إصابته بسبب خطأ القائد أرطغرل أن يظهر للصليبيين خيانته له ومحاولة اختراقه لصفوفهم، وعموما.. فالعبد الصالح قد يستزله الشيطان وينتصر عليه أحيانا، لكنه سريعا ما يراجع نفسه ويتدارك حاله، كما حصل مع كعب بن مالك وصاحبيه يوم تبوك.

وفي النهاية أؤكد على أن هذه الخلاصات معتمدة على مشاهدة المسلسل بغض النظر عن موافقته للحدث التاريخي من عدمه، كما علمت مؤخرا أن التليفزيون القطري قد اتفق مع التلفزيون الرسمي التركي على عرض المسلسل مدبلجا للغة العربية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.