شعار قسم مدونات

الإخوان واستراتيجية الخروج من الأزمة

blogs-islamist

لقد بلغ الصراع بين جماعة الإخوان وبين النظام المصرى الذروة  ووصل الحدود التى لم يبلغها من قبل ، سواء فى حجم البطش الأمنى الذى مورس عليها، أو كلفة التضحيات التى قدمتها الجماعة على مستوى القادة والأفراد. وإذا كانت رحى هذه الحرب لازالت دائرة فإنه لا يجب أن ننشغل  تحت وطأتها وضراوتها بالأحداث اليومية عن التفكير الاستراتيجي للخروج من الأزمة.

كما لا يجوز فى مثل هذا الصراع الكبير الذي ترعاه دول عظمي وتشرف عليه أجهزة مخابرات عالمية أن يكون التفكير له عاطفيا أو عشوائيا لا يستند على حقائق ومعطيات تترجم فى رؤية واضحة ومتماسكة.

يعد خيار الانسحاب من الحياة السياسية إعلان هزيمة للإخوان سياسيا واعتراف بفشل مشروعها الحضارى من حيث التصور والأهداف والوسائل

لذا نقدم هذه الورقة لعلها تفيد فى إجلاء الغبار وتوضح ما يمكن أن يختفى تحت أقدام المتصارعين فى حركتهم اليومية، مرتكزا على ثلاثة نقاط بحثية يمكن الإضافة لها أو البناء عليها أو حتي الخصم منها :

1- الحقائق التى على ضوئها يجب أن يبنى عليها القرارات
2-النظر فى الخيارات المتاحة والممكنة ومآلات كل خيار
3- استراتيجية الخروج من الأزمة بأكبر مكاسب وأقل خسائر

أولا : الحقائق والمعطيات
1- الإخوان أكبر فصيل معارض فى مصر لكنه لا يستطيع إحداث التغيير منفردا
2- نجح النظام فى تشويه الإخوان كبديل سياسي يمكن أن يلجأ اليه الشعب فى المستقبل القريب
3- نجح النظام فى تشويه أو إضعاف أي بديل سياسي من التيارات الأخرى من غير الإخوان
4- الفصائل المعارضة فى مصر ضعيفة وتفتقر للتأثير فى المشهد بدون التعاون مع الإخوان
5- الممارسات السياسية بعد سقوط مبارك أحدثت شرخا كبيرا بين الإخوان وشركاء الثورة فشل الجميع فى علاجه.

6- الجيش والشرطة والقضاء ورجال الأعمال يملكون زمام الأمور بما لديهم من قوة مسلحة وثروة وسلطة واقعية لصيقة بالدولة يصعب هدمها دون هدم الدولة معها.
7-  النظام المصرى مدعوم من الخارج عالميا وإقليميا مما يعطي الصراع بعدا دوليا وإن كان يدار على أرض مصر مما يضيق خيارات الثورة ويوجب التعامل الحذر
8- مورست عملية تشويه قذرة للشخصية المصرية وسحقها وعلاجها يحتاج وقتا طويلا ومجهودات ضخمة.

استمرار الصراع يمكنه إضعاف النظام المصري ويؤدي لاستنزاف قوة الإخوان والثورة وإهدار مخزونها البشرى والمادي

9– التغيرات فى السياسة العالمية والخلل الواضح فى موازين القوى الإقليمية يمثل تهديدا حقيقيا لبنية الدولة المصرية التى يمكن تفتيتها، وتحويلها لنموذج للدول الفاشلة كالعراق وسوريا وليبيا وإعادة إنتاج نموذج داعش كوجبة جاهزة ومجربة، وسخرية البعض من ذلك تجاوز مخل للواقع وللحقيقة.

10- لا يمكن النجاح فى قيادة الدولة المصرية وسط هذه الأمواج من الصراعات المحلية والدولية لأي فصيل مهما بلغت قوته سواء من داخل النظام أو من خارجه
11- نجح الإخوان فى إظهار النظام بمظهر الفاشل العاجز الذي لا يستطيع إدارة الدولة أو فرض الاستقرار والتنمية كما نجحوا فى إظهاره كمستبد فاقد للشرعية

ثانيا: النظر فى الخيارات المتاحة والممكنة ومآلات كل خيار
أ- الاستمرار فى الثورة الشعبية على صورتها الحالية (مظاهرات ، اعتصامات) وهذا الخيار يمكن أن يوجع النظام  فى ظل تفتت القوى الثورية وضعفها وعدم قدرتها على المبادرة، ولكنه لا يمكن أن يسقطه.

نعم لقد أثبت الواقع أن الاستمرار فى هذا الطريق يمكنه إضعاف النظام ولكنه أيضا يؤدي لاستنزاف قوة الجماعة والثورة وإهدار مخزونها البشرى والمادي، حتى إذا سقط النظام شعبيا فلن يتبقى للجماعة وشركائها قوة تمكنهم من إدارة دولة فاشلة أو على حافة الإنهيار، كما ستظل قطاعات من النظام رغم ضعفه تمتلك السلاح والثروة، و ستستخدمه في لحظة الفوضي وهو ما يتماشى مع المخططات الدولية لتفتيت الدولة وتقسيمها جغرافيا بعدما تم تقسيمها اجتماعيا

ب- عسكرة الثورة وحمل السلاح  من أكثر الخيارات المجربة وأوضحها نتائجا وآثاراً، سواء فى تجربة أفغانستان قديما بنموذج طالبان والقاعدة أو العراق و سوريا و ليبيا حديثا بنموذج داعش. ولا يمكن أن يلدغ المؤمن من ذات الجحر ألف مرة فاستخدام السلاح فى حل النزاعات وسط هذه التعقيدات الدولية ووفقا للنظام العالمى والقانون الدولي لابد أن يستند إلي الشرعية الدولية، وتمارسه الدول بإذن من مجلس الأمن، وتحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

وأي صراع مسلح مع الدولة سيواجه عالميا بالتدخل لصالح نظامها حتى وإن كان هذا النظام مستبدا ، كما هو الحال فى سوريا. نعم إن الدول الكبرى تتلاعب بالقانون الدولي ولكن هذا هو الواقع الذي لا يمكن تجاوزه، نحن خرجنا لنبني دولة تحافظ على حياة الإنسان ومعاشه وكرامته، وأى وسيلة تؤدي إلى خلاف ذلك فاستخدامها يكون من قبيل اليأس والانتحار.

ج- الانسحاب من الحياة السياسية بالاتفاق المباشر مع النظام، ويعد هذا الخيار إعلان هزيمة للإخوان سياسيا واعتراف بفشل مشروعها الحضارى من حيث التصور والأهداف والوسائل، وستكون أثاره على الجماعة وخيمة لا يمكن التحكم بها أو السيطرة عليها، سواء على مستوى البنية التنظيمية للجماعة أو على مستوي البنية الفكرية لها وللمشروع الاسلامى برمته

ثالثا: استراتيجية الخروج من الأزمة
كان رومل من عظماء العسكريين في العالم  وتكمن عظمته في تمتعه بمرونة فائقة في الانتقال من موضع الهجوم لموضع الانسحاب، هذا الانسحاب التكتيكي يمكنه من الهجوم المباغت في مناطق أخرى قاتلة. كان يدرك أن المعارك الطويلة لا تحسم بجولة واحدة، وأن الهجوم الروتيني المتواصل لا يصدر إلا عن قيادة غير محترفة، وأن نتيجته الحتمية إرهاق الجنود وهلكة الجيش وبالتالي خسارة المعركة !!

هناك خيار الكمون وترتيب بيت الإخوان من الداخل والاتصال والتنسيق والاصطفاف مع باقي التيارات بهدف الوصول لمرحلة العصيان المدني

لقد فعل ذلك خالد بن الوليد فى معركة مؤتة ولما عيَّره وجنوده بعض الصبيان ووصفوهم بالفرار، قال لهم الرسول صلي الله عليه وسلم بل هم الكرار إن شاء الله ، الانسحاب التكتيكي لا يعني الانسحاب الكامل من الحياة السياسية، لكنه يعني الكمون بغرض الكر بعد الفر وغايته الحفاظ على قوام الجيش وأفراده وترتيب البيت من الداخل، ويسمي تكتيكي لأن له خطة وإعداد و لا يسمي استسلاما لأنه لا يكون بالاتفاق المباشر مع للعدو أو إنفاذا لإرادته

خطة الانسحاب التكتيكي عبر الوسطاء
تعني الكمون وترتيب البيت من الداخل ووحدة صف الإخوان والاتصال والتنسيق والاصطفاف مع باقي التيارات بهدف الوصول لمرحلة العصيان المدني كوسيلة تتغلب علي عدم التكافؤ في القوة بين الثورة والنظام العسكري، ولا تعني الانسحاب من الحياة السياسية إنما تعني فقط توقف الفعاليات التي ترهق صف الثوار وتكبده الخسائر، ويكون هذا الإجراء عن طريق وسطاء يضغطون على النظام للإفراج عن المعتقلين مقابل توقف المظاهرات

المحظورات الخمس
1- الإعتراف بشرعية النظام
2- إعلان المصالحة مع النظام فى وجود السيسي
3- إعلان الإنسحاب من الحياة السياسية فى مصر
4- الإتفاق المباشر مع نظام السيسي
5- إعلان مراجعات تفسر على أنها توبة ورجوع لحظيرة النظام

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.