شعار قسم مدونات

بين الحرف والشاشة

BLOGS - film
لا شك في أن السينما هي لغة قائمة بمفردات تعتمد المُشاهدَة بالدرجة الأولى، والقاعدة السينمائية المعروفة Show don’t tell تثبّتُ أركان هذا الفن، و تضفي عليه خصوصية تتجاوز الموسيقى والصوت والتعليق الصوتي وحتى الكلام المدون .

قدرة المخرج تُمْتَحنُ في إيصال فكرته صورة على حساب الكلام والصوت

في بدايات السينما، ظهرت الأفلام الصامتة وذلك لأسباب تقنية، حيث لم تكن الأفلام قادرة على تخزين الصوت مع الصورة، وكان ظهور الكلام مكتوباً على لوحات سوداء، تُظهر الحوار أو التعليق الصوتي على شكل فقرة مكتوبة هو الوسيلة الأولى المعتمدة لإيصال الفكرة وإكمال المشهد.

ثم أصبحت هذه الأفلام مرجعية الفن السينمائي وخطوات التدريب الأولى لكل من يريد أن يسلك طريق السينما، فقدرة المخرج تُمْتَحنُ في إيصال فكرته صورة على حساب الكلام و الصوت. والكثير من الأفلام الحوارية يعاب عليها أن مشاهدها عبارة عن رؤوس متكلمة (Talking heads) حتى وإن كانت مصورة في أعظم الأماكن وأجملها.

 
لكن أليست الفكرة في السينما أهم من المشاهد المصورة، أليس الحوار العميق رديف الصورة المتقنة وبهما يكتمل المشهد؟

لا شك في أننا في عصر التقنية الحديثة لن نعدم وسيلة في إنتاج مشاهد سينمائية خلابة، والأهم من كونها خلابة أنها يجب أن تخدم السياق، والسياق هنا يبدأ من فكرة الفيلم والسيناريو المحبوك والحوار الرشيق الأنيق، وبالتأكيد لا نستطيع نفي صفة الأهمية عن الحوار والكلام المكتوب ولكن يبقى الصراع قائماً بين كلمات أنيقة فذة وحوار رشيق متقن وصورة تترجم هذا السيناريو وتضيف عليه، وهذا ما يجعل السينما لغة شاشة بالدرجة الأولى يكمل صورتها الحوار والموسيقى والتعليق الصوتي.

نسبر من خلال التدوين فكرة سينمائية تقربنا أكثر إلى ما بات صانع الوعي الأول في عالم الصورة
ولذلك فإن الروايات المكتوبة رغم غزارة أدبها وعمق حوارها تحتاج إلى إعادة صياغة لتستقر على هيئة النص السينمائي والسيناريو الخاص بالفيلم. فلا معنى لوصف أدبي عظيم لمشاهد شروق الشمس مثلاً على قرية مطلة على طرف المحيط وكأن الشمس تطبع قبلتها على شامة الجبل، دون أن نشاهد المشهد صورة فقط لا يرافقه حرف واحد.

وبالعودة للتدوين والسينما، فإنني كسينمائي مولع بتحويل كل حرف إلى مشهد، وبعد صياغة السيناريو في صفحات، يبدأ صراعنا في رسم اللوحة صورة بعد صورة.

وجب علي توضيح وجهة نظري من الكتابة، وعليه فإنني أسعى من خلال التدوين إلى أن نطل سوية على هذه النافذة المسماة "سينما"، غير متحول إلى النقد التقليدي للأفلام ولا محاضراً في دورات صناعة الفيلم وعلم زوايا التصوير، وإنما وبأقل الحروف المتاحة في قانون التدوين، نسبر فكرة سينمائية تقربنا أكثر إلى ما بات صانع الوعي الأول في عالم الصورة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.