شعار قسم مدونات

ركض في ضاحية منهاتن

ركض
مطلع العام دعا مارك زوكربيرغ سكان فيسبوك الذين تجاوز عددُهم سكانَ الصين للركض بمعدل ميلٍ في اليوم بهدف وصولِ كلٍّ منهم إلى ٣٦٥ ميلاً بنهاية ٢٠١٦. التحديات هي عادةٌ دَأَبَ مارك على افتتاح كلِّ عامٍ بها، فكما قرر أن يكون عام ٢٠١٥ عاماً للقراءة؛ فقد جعل هذا العام عاماً للركض.

ولئِن كان الكتاب خير صديق للجالسين؛ فالركضُ أفضلُ ما ينفع به السائرون أنفسهم. وقبل أن يغادر وزير البترول السعودي السابق علي النعيمي كرسيَّ وزارته؛ كشف عن سرٍ من أسرار نجاحه وحفاظه على صحته وهو مواظبته على قطع عشرة كيلو مترات يومياً.

في الركض تعاني لساعة وتعيش ما تبقى من اليوم سعيداً

طيلة عامٍ مضى حرصت قدر المستطاع على سبر أغوار هذه الرياضة، أتذكر جيداً أول ميل قطعته فانقطعت أنفاسي معه وألقيتُ بجسدي على جنبات حديقة السنترال بارك المتربعة وسط صخب نيويورك، كمن يمارس اليوغا وسط حلبة مصارعة.

الركض من أفضل أنواع الاستثمار وأسرعها في العوائد، ففي الأسبوع التالي وجدتُني أُضاعف المسافة الأولى، ثم استمررت في قطع مسافات متوسطة بصفةٍ شبه يومية حتى احتفلت قبل مغادرتي للمدينة بركض ما مجموعه ألف ميل، ولم ينته مشواري ببلوغ ذلك.

حسنات الركض كثيرة، تبدأ من حالة مزاجية فريدة وصفاء ذهني لا مثيل له، ولا تنتهي بالراحة النفسية، لكن الحصول على هذه النتائج يلزمه عَقد تحدٍ مع النفس بعدم التوقف عند الشعور بالتعب. الملاكم الراحل محمد علي كلاي كان يقول واصفاً لحظات التدريب " تعاني الآن، وتعيش بقية حياتك بطلاً"، كذا هو الحال مع الركض، تعاني لساعة وتعيش ما تبقى من اليوم سعيداً.

بممارسة الرياضة تصل لأماكن لا تصلها السيارة ولا يعرفها السياح

ومن ميزات هذه الرياضة -كما قال لي أحد الأصدقاء محفزاً حينها- أنها أفضل طريقة لاكتشاف أسرار المدن، فبممارستها تصل لأماكن لا تصلها السيارة ولا يعرفها السياح، وهذا ما حرصت على فعله خلال عام ونيف قضيته خلف المحيط الأطلسي للدراسة التي استدعت ركضاً موازياً بين جامعة كولومبيا أعلى الجانب الغربي من ضاحية منهاتن بمدينة نيويورك وبين أروقة الأمم المتحدة أسفل الجانب الشرقي منها.
 

ومن هذه المنصة الجديدة –مدونات الجزيرة– سأروي لكم قصصاً وتجارب من هناك، وذلك عبر سلسلة تدوينات ستحكي لكم عن صعود ثقافة أوبر، والهبوط الأحمر لأسهم تاكسي نيويورك الأصفر، وستحدثكم مرةً عن رائحة البن المطحون من المقاهي المختصة التي تغازل أنوف مرتادي ستاربكس، ومرةً أخرى عما يفعله عربٌ جوار بان كي مون، وعن حفيد آخر حاخام من يهود اليمن، وستشارككم قصصاً أخرى كتب سطورها صحفي على بلاط السيد بوليتزر*.

*جوزيف بوليتزر هو من أسس كلية الصحافة بجامعة كولومبيا في نيويورك عام ١٩١٢، وباسمه سميت جوائز بوليتزر للصحافة (أوسكار الصحافة) التي تمنح في نفس الكلية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.