شعار قسم مدونات

لماذا نكتب؟

blog الكتابة

في جواب قديم للصحافة على سؤال "لماذا تكتب؟"، قال الكاتب الكولومبي الراحل غابرييل غارسيا ماركيز إنه يكتب "لكي يفرح الأصدقاء"، فيما أجابت الكاتبة الأميركية سوزان أورلين عن نفس السؤال بـ"أكتب لأنني أحب أن أتعلم عن العالم، أحب سرد الحكايات والتجربة الفعلية لصنع الجمل".

تتعدد أجوبة الكتاب والأدباء والمفكرين عن السبب الفعلي الذي دفعهم للكتابة، فمنهم من يكتب بفعل اختيار ومنهم من يكتب بفعل إجبار كما يدعي، وذلك لأنه وجد نفسه فجأة وسط المجال الأدبي سواء بحكم دراسته أو موهبته أو بادعاء أنه لا يجيد في الحياة شيئا غير الكتابة.
 

الكتابة فعل سام وراق يتوجب أن يسخر لكل ما هو خير، فإما أن تكون الغاية من الكتابة رسالة نبيلة تسعى لأن ترتق جرحاً، أو تسعد قلباً، أو تنير عقلاً، أو تنشر الحب والسلام

أما أنا فأكتب لأتنفس، ولأعبر عن آرائي وأفكاري، أنا أكتب لأنني لا أتحدث كثيراً، وربما لأنني بالكتابة أصبح أكثر جرأة بالتعبير، أكتب لأنني أثق بالورق أكثر من البشر، فالورق لا يغير الكلام، ولا يضيف فيه ولا ينقص منه ولا يشوه المعنى، أكتب لأن ممارسة الكتابة هو حلم طفولتي الذي راودني حتى قبل أن أتعلم خط حرف واحد، لأنه الحلم الذي لم أسمح أن يسقط مني مع الأحلام التي أسقطتها الحياة رغماً عني.

لماذا نكتب؟
كلنا نملك دوافع عديدة لنكتب، ولكن الأهم من كل الدوافع التي تحرضنا على الكتابة هو الوعي بوجود المبادئ والقيم التي يجب أن نغلف بها كتاباتنا، ففي زمن صارت فيه حرية التعبير متاحة صار فيه البعض يخلط ما بين التعبير عن رأيه أو التعدي على غيره، فحرية التعبير وإن كانت حق مكفول لكل إنسان تخوله التعبير عن رأيه بمختلف الصور، إلا أنها تتوقف عند القوانين والعقائد الدينية أو عند ما قد يتسبب بضرر الأشخاص، وذلك لأن حريتك الشخصية بكامل أشكالها تنتهي عند ما قد يمس حرية الآخرين.

لذلك فأنا أرى أن الكتابة فعل سام وراق يتوجب أن يسخر لكل ما هو خير، فإما أن تكون الغاية من الكتابة رسالة نبيلة تسعى لأن ترتق جرحاً، أو تسعد قلباً، أو تنير عقلاً، أو تنشر الحب والسلام أو فلا. لأن الكلمة أمانة لذلك يستوجب أن نستدعي ضمائرنا ونحن نكتب، ولأن الفكرة التي نُصدِرها إذا ما كانت مشروع لجعل العالم مكان أفضل يتوجب أن نبتلعها!

بالرغم من أن التدوين ليس وليد اليوم لكننا كنا بحاجة لعودته من جديد بعد أن انحسر عنه الضوء قليلاً خلال السنوات الأخيرة

ما أغراني اليوم للتحدث عن الكتابة هو سؤال صغير جال بخاطري مفادة "لماذا نكتب؟"، هذا السؤال الذي قد يخال لك سطحيته عند سماعه أو قراءته للوهلة الأولى، إلا أنه في الحقيقة أعمق وأبعد مما قد يخيل لك، لأنه قد يفتح للتفكير ألف باب، وقد يضيئ للعقل أكثر من زاوية، ولأنه قد ينقش في داخلك علامة استفهام تدفعك لمراجعة قيمة ما تكتب.

وبالحديث عن الكتابة لابد من الإشادة بالفكرة التي تبنتها الجزيرة والتي تهدف من خلالها لإعادة عالم التدوين، وهي فرصة نتوسم منها رفد وإثراء المشهد الثقافي العربي.

ومما لا شك فيه أن التدوين واحدة من أجمل مصادر الكتابة لأنها تتماشى مع مبدأ "أكتب ما تحب أن تقرأ" لا ما يفرضه عليك الناشر أو الصحيفة أو القارئ .. إلخ.

وبالرغم من أن التدوين ليس وليد اليوم لكننا كنا بحاجة لعودته من جديد بعد أن انحسر عنه الضوء قليلاً خلال السنوات الأخيرة، وذلك لصالح التوهج الذي أحاط مواقع التواصل الإجتماعي، فنحن اليوم في زمن صار فيه التواصل الإلكتروني ثروة وثورة العصر، لذلك صار لابد من عودة التدوين من خلال مظلة واسعة تستقطب مجمل المثقفين والكتاب والمفكرين، وتستوعب مختلف أفكارهم وكتاباتهم وآرائهم، ولا مساحة قد تكون أرحب من عالم يرحب "بالرأي والرأي الآخر" ولا مساحة قد تكون أقرب من مدونات الجزيرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.