شعار قسم مدونات

التطبيع والمقاومة.. التناقض والصراع

blogs - hamas
كنا نعتقد أن الانحطاط العربي له قاع، فإذا به له قيعان متعددة تزداد عمقا مع الزمن. وتشكل عملية التطبيع أحد تجليات هذا الانحطاط الذي بدأ بمؤتمر الخرطوم الذي قرر إنه لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض متجاوزا عملية المقاومة ومتخذا الموقف السلبي تجاه إسرائيل بعد هزيمة 1967.

ومنذ ذلك الحين، تطورت العلاقة مع إسرائيل من كونها محاولة لدعم الحق الفلسطيني حتى وصلت إلى استخدام هذه العلاقة في مواجهة دول أو محاور أخرى أو الحصول على الرضى الأميركي عن بعض الأنظمة وتمرير استبدادها بل وحتى انقلاباتها العسكرية كما حصل مع نظام السيسي.

ودشنت زيارة السادات للقدس المحتلة عام 1977 عملية التطبيع والهرولة تجاه إسرائيل، حيث تجاوزت عملية حل الصراع بشكل شامل للوصول إلى حلول أحادية بدءا بمعاهدة كامب ديفد عام 1978، وصولا إلى علاقات محرمة مع الكيان فوق وتحت الطاولة.

لا شك في أن العرب أسلموا الفلسطينيين لإسرائيل مطلع التسعينيات بعد أن أوقفوا دعم الكفاح المسلح

وتجاوزت كامب ديفد الحل العسكري للصراع وأخرجت مصر من الإجماع العربي وفتحت الطريق أمام ما يسمى بالسلام الشامل والعادل مع العدو، ليلحق العرب بالسادات فيما بعد ويقلصوا الحق الفلسطيني على ما احتل من الأرض عام 67 فقط، بل وحتى إنهاء حق العودة واستبداله بالتعويض في مبادرة فاس للسلام عام 182 وتكريس ذلك بالمبادرة العربية عام 2002!!

بين مسؤولية العرب والفلسطينيين
لا شك في أن العرب أسلموا الفلسطينيين لإسرائيل مطلع التسعينيات بعد أن أوقفوا دعم الكفاح المسلح!! ثم ما لبث أن استبق الفلسطينيون العرب عام 1993 باتفاقية أوسلو وفتحوا الباب للتطبيع العربي.

وبدون تمييز بين السلام والتطبيع، كانت متتالية الانهيارات العربية التي عرف بعضها ولم يعرف البعض الآخر حتى الآن، وأدت هذه إلى إضعاف الفلسطينيين وكفاحهم ضد العدو.

وقد تم تحميل الفلسطينيين مسؤولية الهرولة نحو إسرائيل فيما كان العرب يركضون نحوها، ليسفر ذلك عن تراجعات مستمرة في المطالب الفلسطينية والعربية، وفتح الباب أمام هرولة بعض النخب العربية سواء في زيارة الكيان أو التوسع في زيارة القدس المحتلة تحت مبرر زيارة الأماكن المقدسة!!

ولا شك في أن السلطة الفلسطينية تتحمل شقا لا بأس به من المسؤولية عن الهرولة العربية تجاه إسرائيل بعد اتفاق أوسلو. ورغم أنها خذلت من العرب وأسلمت للعدو، فإن المسؤولية تبقى مشتركة بين الطرفين الذين تبادلا الأدوار في العلاقة مع العدو.

الخلافات العربية والتطبيع
لقد استقر حال الأنظمة بين متآمر مع العدو إلى مستسلم لطغيان القوة الإسرائيلة وجسامة الضغوط الأميركية تحت وطأة ضعف هذه الأنظمة وانقسامها.

كما ساهم الانقسام الطائفي في توجه بعض الأنظمة – التي كانت إلى حد قريب رافضة للعلاقة مع إسرائيل – إلى استخدام العلاقة معها لمواجهة المد الإقليمي لإيران أو لتثبيت حكم هذه الأنظمة في مواجهة المعارضة، بل وحتى الحصول على دور إقليمي في المنطقة.

وتحولت العلاقة بين العرب وإسرائيل إلى إطار السلام والتطبيع لتجعل من المقاومة شيئا من الماضي وتكرس أشكالا من التطبيع مع العدو بين النخب العربية والإسرائيلية باتجاه خذلان المقاومة بل وحتى التآمر عليها.

استمرار الصمود الفلسطيني أمام العدوان الإسرائيلي ومجازره المتكررة تشكل دافعا للتضامن الشعبي العربي

ولم تسلم النخب العربية والفلسطينية من الانقسام تجاه التطبيع استكمالا لتأثير العلاقة الرسمية مع إسرائيل، إلا أن الحركة الشعبية المناهضة للسلام والتطبيع ستظل تشد هذه القوى نحو معاداة الكيان ورفض التطبيع معه، وهو الأمر الذي ينعكس على حراك هذه القوى المناهض لتوجهات الأنظمة تجاه إسرائيل.

المقاومة كرافعة للأمة
والأهم من هذا، أن استمرار حالة المقاومة الفلسطينية ستظل تشد الوضع العربي لمناهضة التطبيع مع العدو، إذ إن استمرار الصمود الفلسطيني أمام العدوان الإسرائيلي ومجازره المتكررة تشكل دافعا للتضامن الشعبي العربي ورفض التطبيع مع إسرائيل.

وأكثر من هذا، فإن الصمود الفلسطيني يشكل حاجزا أمام تدهور موقف الأنظمة العربية من زاوية، ويكشف دور الأنظمة المتآمرة من زاوية أخرى.

ومن هنا تكمن أهمية المقاومة الفلسطينية ودعمها شعبيا لرفع سوية الحالة العربية ووقف تدهور الحالة الرسمية في التطبيع مع العدو.

صحيح أن الحرب الأخيرة على غزة أدت إلى إمعان بعض العرب في إلعلاقة مع العدو أملا في إضعاف المقاومة، إلا أن استمرار تصعيد المقاومة والصمود سيؤدي إلى إحباط أدوار هذه الأنظمة المتآمرة، ويتسبب بردود فعل شعبية متنامية ضدها ستدفع على الأرجح هذه الأنظمة لفرملة توجهاتها المعادية للمقاومة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.