شعار قسم مدونات

ما دخل الشرك بالأمن؟.. نظرية سياسية

blodدين

تسحرني آيتان من سورة الأنعام كلما مررت عليهما "وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا، فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون. الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون". 

ما دخل الشرك بالأمن أصلا؟ كيف لخطأ ديني أن يكون طريقا للأمن وسواه؟ أليس الأمن عملية سياسية اقتصادية بالأساس؟

بعد شيء من التفكير تبادر إلى ذهني أن ما يعنيه عدم الإشراك بالله هو أنه لا يوجد شخص -في نظرك- على وجه البسيطة كلها.. رئيسا كان أو ملكا، طاغيا أو عادلا، أن يصل إلى درجة الربوبية، ولا يمكنه بأي حال من الأحوال أيضا أن يخرج عن دائرة ما ألزم الله به نفسه إن ألزم. فإذا كان الله -كمثال- سمح "بانتقادات" ملائكية في موضوع خلق البشر، وناقش وتحاور حتى بيّن الحجة، فليس لأي شخص بعد هذا أن لا يقبل الانتقاد والنقاش في أي فكرة كانت، والمجتمع غير المشرك وحده من يمكنه أن يقتنع بهذا.

الشرك ممارسة مجتمعية لا تؤدي إلا إلى العفن السياسي، وإلى وضع ينتج ما تنتجه الحرب من الخوف واللاأمن. وفي ظل المشركين قد يكون الربيع في منطقة ما خريفا يأتي معه عوض الظالم ظالم أكبر

إن أي مجتمع خال من الشرك الديني لن يمارس الشرك السياسي بالضرورة، سينتقد الرئيس والمدير والولي اعتقادا منه أن الانتقاد وسيلة لاكتمال الأفكار والمشاريع المجتمعية. غير أن المجتمع المشرك من السهل جدا أن يُلحق الرئيس والملك والولي بالله في الحق، وإن يفعل فلا عجب أن ينزل إلى درجة عنوان السورة.. الأنعام، وحينها ستصير الحياة في ذاك المجتمع أشبه بحياة الغاب، يأكل الضعيف فيها القوي، ويسطو السريع على البطيء، ويسفه من له إعلام سفيه من لا إعلام له. 

تعود بي الصور في المخيلة إلى الآيتين كلما مر بي حدث سياسي وكيفية تعامل بعض مجتمعاتنا العربية معه، فحديثُ هذا عن رئيسه على أنه رسول مخلص، وحديث ذاك عن وجوب سفك دم الشعب كله إكراما للرئيس؛ ليس إلا نتاج شرك.. بان الشرك أم خفي.

وحتى الوقائع من خارج البلاد العربية ترينا شركا مبينا للبعض من مجتمعنا، وإلا فكيف يمكن أن نفسر خروج الأتراك مناهضين لانقلاب العسكر رافعين أعلام الوطن، بينما خرج العديد منا افتراضيا على مواقع التواصل حاملين صور الرئيس أردوغان؟.. مؤكد أن الرجل له من الفضائل ما له، لكن الدولة مؤسسات وليست أفرادا، وهذا أمر فقهه الكثير من الأتراك وتغافل عنه الكثير منا ربما. 

الشرك فعلا ممارسة مجتمعية لا تؤدي إلا إلى العفن السياسي، وإلى وضع ينتج ما تنتجه الحرب من الخوف واللاأمن. وفي ظل المشركين قد يكون الربيع في منطقة ما خريفا يأتي معه عوض الظالم ظالم أكبر.. رب أقدر بعيون المشركين.. يذهب الأمن ويبقى الشرك باقيا.
فلنبدأ بالشرك إن أردنا التغيير حقا..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.