شعار قسم مدونات

الخضراء وذئاب الإرهاب.. أي فصيل للإرهاب في تونس؟

blog-الارهاب

هل تُدرك معنى أن يتغذى جسمك وعقلك إرهابا؟ هل تعي كيف تفقد مناعة العيش السليم واليوم الروتيني السعيد بشقائه؟ هل تتخيل كيف يتحول ليلك من سكون هادئ إلى نور قاتل؟.

 أنا لا أدري، لكن ربما نفس ذائقة الإرهاب قد تنجح في حياكة القصة…
اطمئن، فالأمر لا يُلزمك بالسفر أو التنقل، زُر سهول وجبال تُونسنا الخضراء، ستجد المسرح الجُغرافي جاهزا لاستقبالك، بعدما تحول إلى بُؤرة إرهاب.

عملية جربة المُوجهة ضد معبد الغريبة اليهودي ثم عملية سليمان المُسلحة؛ بينتا أن الإرهاب وضع قدما داخل الحدود التونسية وبدأ تنفيذ أجنداته الغامضة الهدف

 أما إن كنت من هواة المُفاجآت والأكشن، لا تستغرب أن تطولك حركات الإرهاب في طريقك إلى العمل أو عند ركوبك وسائل النقل، وحتى عند التجول مساء يوم سبت. في مستقبل قريب طالت يد الإرهاب أيامنا، بسمتنا، قسطا من تفكيرنا وطاقتنا، أرواحاً من بواسل جنودنا وأمننا.

 بدأ كالحرباء المُتلونة، تلونت بطابع سياسي بحت منذ عقود في سابقتين: عملية جربة المُوجهة ضد معبد الغريبة اليهودي، ثم عملية سليمان المُسلحة التي تجلى فيها أن الإرهاب وضع قدما داخل الحدود التونسية وبدأ تنفيذ أجنداته الغامضة الهدف.

 والآن، أخذ لون الحرباء يتدحرج بين الآنف والحاضر الاجتماعي بعد ثورة 14 يناير 2011.

تسلل الإرهاب إلى تونس، ليكسر أسطورة دولة "الأمن والأمان"،  فكانت أول عملية إرهابية بعد الثورة عملية الروحية في الشمال الغربي، وبئرعلي في الوسط الشرقي، فضلا عن عمليات ضبط أسلحة خفيفة ومتفجرات مُسربة من ليبيا، فكانت بمثابة شروخ في المشهد السياسي والأمني التونسي الفتي الذاهب نحو مشروع مجلس تأسيسي يُنظم لانتخابته السياسية، مما جعل الإرهاب نغمة خارجة عن السياق الوطني مهددة للمسار السلمي الذي تبنته ثورة الياسمين.

 لكن تلك النغمة ارتفع بها سُلمها صوب نوتة حمراء بلون الدم، وبدأت سلسلة الاغتيالات السياسية تهز وعي التونسيين قبل قلوبهم على ممارسات لم يتخيلها، حملت سنة 2012 اضطرابا حقيقيا وبدأنا نعي أن الإرهاب نظم صفوفه في تونس، فوجدت المؤسسة الأمنية والعسكرية نفسها في حرب مفتوحة مجهولة العدو ذي طبيعة زئبقية سريع الحركة ومسلح اليد، يفكر وينفذ بشكل انتحاري، ثم يضرب المُدن ولا يترك أثرا، لا تهمه النتيجة المُباشرة بقدر ما يسعى لإرباك الوضع والثقة الفتية في مفهوم الحرية والديمقراطية، بل يهمه أكثر أن يدفع إلى -ما عُرف في أدبيات الحركات السلفية الجهادية- خلق حالة التوحش الرافض لكل تغيير.

 هي إذن حرب تجهل ملامح عدوها، لا تدرك أهدافه ولا تتصور له مكانا، فكيف لوطن وليدٍ أن يُواجه كل ذلك؟

 لم تجد الحكومة التونسية من طريقة أسهل لمواجهة الإرهاب الضارب فيها إلا بإعادة صياغة قانون مكافحة الإرهاب الزاخر بالغموض والتخوفات من مسه بحقوق الإنسان، فجاء القانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 الصادرفي 7 أغسطس 2015 المُتعلق بمكافحة الإرهاب و منع غسل الأموال من أجل استئناف مقاومة الإرهاب.

 من المنتظر أن تكون القوانين رادعة حافظة للأمن والعدالة، لكن يبدو أن ذلك لم يتحقق لما تتصف به بعض الفصول من جدلية، كالفصل المُتعلق بفترة الاحتفاظ بالمتهم قيد التحقيق 15 يوما قابلة للتجديد دون ضوابط، وعدم إلزام الشهود في الجريمة الإرهابية بذكر أسمائهم أو نشرها بدعوى المحافظة على سلامتهم، كذلك تبرير الاختراق الأمني للتنظيمات الإرهابية ضمن خطط مكافحة الإرهاب.

 إن النص في حد ذاته استجابة لتحد حقيقي، لكن للإرهاب نتائج لا تُعالج بالقانون ومُحاسبة المتورطين فيه فحسب، بل تتعداه إلى مواجهة أزمات تحتاج سياسات أعمق من الدرع الأمني لمقاومتها.

 دعماً للقول السالف، نذكر أن "قيس سعيد" المرجع القانوني المعروف يرى أن ظاهرة الإرهاب تفاقمت، على الرغم من مواصلة العمل بأحكام قانون سنة 2003 المتعلق بمكافحة الإرهاب، مُعتبرا أنه قبل البحث عن مُقاربة تشريعية جديدة لا بد من البحث عن الأسباب التي تقف وراء تنامي هذه الظاهرة والإخلالات والنقائص الواردة في قانون سنة 2003، فهل يقتصر البحث والعلاج على قوة الأمن والقانون؟
 
 

هل للإعلام دور ارتدادي يساهم في إنعاش الإرهاب بدل مكافحته؟ هل صدق "جوزيف غوبلز" في قولته الشهيرة "أعطني إعلاما بلا ضمير أعطك شعبا بلا وعي"؟

لا نُرجح ذلك. تُعتبر كافة المجالات السياسية والقانونية والاجتماعية والنفسية مكعبات لمسبحة واحدة، إذا انقطعت ضاعت مُكعباتها تِباعاً وتهاوى سائر المجتمع بكل مكوناته، ويُحيلنا التشبيه إلى مُختلف أدوات البحث لمُقاومة الإرهاب، فهل يكون الإعلام أحد أجزائها؟ هل يقوم الإعلام بدور فاعل وموضوعي في مُحاصرة الأفكار المُتطرفة؟ هل طرحت علينا تحليلات جادة عن العوامل التي تؤدي إلى تكوين العقل المٌتطرف دينيا وسياسيا؟ لماذا تكتفي أغلب وسائل الإعلام بانتقاد الدولة وأجهزتها بعد كل حادث دون طرح مقترحات عملية تدعمها في مواجهاتها الأمنية والعسكرية مع الإرهابيين؟ لم لا توظف "بلاتواتها" في تجييش المفكرين الجديرين بمُعالجة القضية ليكون عونا في سن قوانين وإجراءات عملية؟

هذه التساؤلات لم تأت من فراغ، فقد صرح السيد "رياض الفرجاني" عضو الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري أنهم رصدوا 28 إخلالا مهنيا في تعاطي الإعلام مع حادثة متحف باردو مثلا، وبحسب حديثه لجريدة "العربي الجديد"، توزعت الأخطاء في أربعة محاور أهمها عدم احترام سلامة الأشخاص، وبث معلومات من شأنها أن تؤثرعلى سير العمليات الأمنية، وتبرير الإرهاب عن غير قصد، وعدم الأخذ بالاعتبارحقوق الجمهور، بالإضافة إلى المقايضة بين الأمن وحقوق الإنسان.

 واستنادا إلى هذا التصريح يحق لنا التساؤل: هل للإعلام دور ارتدادي يساهم في إنعاش الإرهاب بدل مكافحته؟ هل صدق "جوزيف غوبلز" في قولته الشهيرة "أعطني إعلاما بلا ضمير أعطك شعبا بلا وعي"؟ هل يُشرع لنا أن نخوض في غِمار "الإرهاب الإعلامي"؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.