شعار قسم مدونات

وهل يستطيع المشايخ إيقاف العسكر؟

blogs - rabaaa
وكأنّ الجدل والخلاف شحيحان على الساحة المصرية، حتى ينشغل المصريون بخلاف جديد طرفاه هذه المرة السلفيون والإخوان دون أن يخلو الأمر بالطبع من رذاذ يطال آخرين أو يطلقونه هم.

ضربة البداية هذه المرة جاءت من جانب الداعية السلفي الشهير محمد حسان الذي نطق بعد صمت طويل رغم ما مرت به البلاد من أحداث منذ الانقلاب الذي قاده وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي في 3 يوليو/تموز 2013 على الرئيس المنتخب محمد مرسي.

وجاء الظهور المفاجئ عبر صحيفة الوطن الموالية للسلطة، بالتزامن مع ذكرى مرور ثلاث سنوات على قيام الجيش والشرطة بفض اعتصام مؤيدي مرسي والمتمسكين بالشرعية، في ميداني رابعة العدوية والنهضة ما أدى إلى مقتل وإصابة آلاف الأشخاص.

السؤال الرئيسي هنا هو: هل كان بإمكان الشيخ محمد حسان أو جموع السلفيين أو حتى كل المشايخ في مصر.. هل كان بإمكانهم الوقوف في وجه قيادات عسكرية؟

ربما كان الإخوان وأنصارهم يتوقعون أن يخرج الرجل ليواسي أهالي الضحايا أو ينتقد قاتليهم، لكنه فاجأهم بحوار يتهم فيه قيادات جماعة الإخوان المسلمين، ويحملهم نصيبا كبيرا من المسؤولية عن الضحايا الذي سقطوا في عملية الفض، ويشير إلى عدم استجابتهم لوساطة قام بها بينهم وبين السيسي.

وبدورهم، لم يتأخر الإخوان وحلفاؤهم، فقد ردوا سهم الرجل بسهام متفرقة تناول بعضها مواقفه ووصل بعضها إلى انتقاص شخصه بل وتياره ككل.

الغريب أن الطرفين استغرقا في التفاصيل، وهل علم قادة الإخوان بموعد الفض أم لا؟ وهل التقي حسان وجها لوجه بالقيادي الإخواني عمرو دراج أم نقل عنه دون لقائه؟ وما الذي قالته المسؤولة الأوروبية كاترين أشتون أم لم تقله؟.

دراج قال إن حسان يكذب كما يتنفس، وقال آخرون إنه كعادته يمالئ الظالمين، بينما استشهد فريق ثالث بشهادة سابقة للدكتور محمد المختار المهدي الرئيس السابق للجمعية الشرعية (رحمه الله) عن هذا اللقاء أشار فيها إلى أن حسان ورفيقين من نفس توجهه أظهرا مهادنة واضحة للسيسي بل وتأييدا له.

وفي المقابل، اعتبر فريق حسان من السلفيين أن لحوم العلماء مسمومة وأن الإخوان يفترون على الرجل لأنه يقول الحق الذي لا يعجبهم، وأن هذا دأبهم وديدنهم.
هل تريد رأيي عزيزي القارئ؟ دعني أسألك أولا، هل استحق الأمر كل هذا الجدل وكل هذا الخلاف والتراشق بالاتهامات بل والشتائم؟

هل نستعيد ما قاله حسان ونفكر فيه مرة أخرى؟ الرجل قال إنه تبنى مبادرة للمصالحة بين الإخوان والسلطة، وأنه ذهب إلى الإخوان وقيادات تحالفهم، فأخبروه بتمسكهم بعودة «مرسى» وبمراجعتهم طلبوا عدم فض اعتصام رابعة بالقوة، وهو ما وافق عليه المشير السيسى وقتها بشروط، إلا أنهم رفضوا الصلح.

في رواية أخرى، قال حسان إن السيسي وافق على مطالب الإخوان لحقن الدماء ، لكنهم رفضوا بعد أن وعدتهم “كاترين أشتون” بعودة “مرسي”.

لكني شخصيا لا أنشغل بالتفاصيل والتداعيات، وأعتقد أن السؤال الرئيسي هنا هو: هل كان بإمكان الشيخ محمد حسان أوجموع السلفيين أو حتى كل المشايخ في مصر، هل كان بإمكانهم الوقوف في وجه قيادات عسكرية استقر أمرها على خلع الرئيس المنتخب واستعادة السلطة التي احتكرها العسكر على مدى أكثر من نصف قرن؟

للإخوان وأنصار الشرعية أقول: ليتكم لا تنشغلوا بحسان أو غيره فلديكم في صفوفكم ومن مواقفكم ما يجب أن يشغلكم بالنقد والمراجعة واستخلاص العبر

ألا يعني الصلح، أن القائم به يمكنه الضغط على هذا الطرف أو ذاك من أجل التراجع أو التنازل؟ فهل كان بإمكان حسان ورفيقيه أن يضغطا على الجيش ويجبراه على التنازل أو التراجع قيد أنملة؟ وأيضا هل يعرف السلفيون أنهم يستطيعون التأثير على الإخوان أو إقناعهم وبين الفريقين ما بينهم من خلاف وتنافس ربما لم يظهر منه بعد إلا قمة جبل الجليد؟

يا سادة دعكم من الخلاف، فما عرفناه واعتدناه في مصر أن شيخا أو صاحب لحية يمكن أن يتوسط بين اثنين متخاصمين أو عائلتين متشاحنتين أو يقنع زوجة غاضبة بالعودة إلى بيت زوجها، ناهيك عن خروجه على الشاشات من آن لآخر ليذكرنا بضرورة طاعة أولي الأمر والتماس الأعذار لهم، ولا بأس إن ثبت خطأهم أو ظلمهم أن يذكرنا بأنه "من أعمالنا سُلّط علينا".

أما القول بأن شيخا ينتمي لتيار عاش سنوات في ظل حكم مبارك مضطرا للاختيار بين الملاحقة والمضايقة أو التعاون مع الأمن، يستطيع أن يقنع جنرالا بالتراجع عن خطوات وإجراءات انقلاب تم تدبيره على مدى شهور وتدعمه قوى إقليمية ودولية، فهو مجاف للمنطق بل يتخطى الجد إلى الهزل.

لا داعي إذن للتفاصيل، فالأمر كله مفتعل على غير أساس، وللإخوان وأنصار الشرعية أقول: ليتكم لا تنشغلوا بحسان أو غيره فلديكم في صفوفكم ومن مواقفكم ما يجب أن يشغلكم بالنقد والمراجعة واستخلاص العبر، أما الشيخ حسان فأقول له: شكر الله سعيك، وليتك تتوسط فقط إن استطعت فتوقف التنازل عن الأرض أو رفع الأسعار أو رعاية الفساد، أو على الأقل يمكن أن تتوسط لوزارة الأوقاف فلا تستمر في مخططها لتحميل المصلين فواتير استهلاك الكهرباء بالمساجد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.