شعار قسم مدونات

منظومة التعليم العربي.. أيةُ منظومة؟

blog تعليم
 

لن أكذب عليك أو "مخبيش عليك..إلخ"؛ جملة اعتراضية عند سماعها تعلم علم اليقين أن قائلها على وشك أن يكذب، حتى لو كنت أنت من تفوه بها.. ولكن يبدو أنها صادقة هذه المرة، حيث إنني لن أكذب عليك عندما أخبرك بحجم الكارثة التي نعيشها، حتى أنك قد لا تتفاجأ.
 
ماذا إن أخبرتك بما وصل إليه التعليم الغربي مقارنة بتعليمنا العربي، تُرى هل ستشكل هذه الفوارق المذهلة أية مفاجأة بالنسبة لك.. لا أعتقد ذلك، لقد أصبح واقعا لا مفر منه، أو تعودنا على ذلك، فمن المتعارف لدينا -والذي لا يختلف عليه أحد- أن الغرب يرتقي يوما بعد يوم، في المقابل نعيش نحن ونحيا ونتنفس هواء التخلف الراكد، حيث إن التعليم هو هواء الشعوب والمجتمعات التي تحيا به وترتقي، لكنه بدا غير آدمي الآن في مجتمعاتنا المتهالكة فكريا، "أي أنه غير قابل للتنفس".
 
الواضح أنه وبكل المقاييس علينا أن ننتظر معجزة آلهية توقظ ضمائر عقولنا، لأن الواقع لا يبشر بالخير

لقد قالها سابقاً د. مصطفى محمود عندما نبَّه إلى أننا قد نصبح مجموعات من "النسانيس" -بتعبيره- أو القرود، تأتي الناس لمراقبة سلوكنا وكأننا حديقة حيوان مفتوحة، ولكن هذه حقيقة أقرها قبله المنطق حيث إنه في حال ابتعدنا عن منهج تعليمي واضح يراعي ويواكب تطور العلوم بشتى أنواعها فيجب ألا نندم.. وبالفعل هناك الآن دراسات وأبحاث تقدمها جامعات ومؤسسات الدول المتقدمة، حيث تقوم على دراسة وفهم سلوكيات وأنماط حياة مجتمعات الدول النامية أو المتخلفة بمعنى أصح، تماما كالأبحاث التي تدرس سلوك الحيوانات.. وكأننا لسنا بشرا مثلهم.
 

وبالتالي عندما نرى طريقة تعامل حكومات هذه الدول في الوقت الراهن مع أزمة اللاجئين العرب علي سبيل المثال، فإنه يُعد أمرا طبيعيا.. إذن يجب علينا أن ننتزع حقنا في التعريف بأنفسنا كأمة كانت راعية للحضارة العلمية لمئات ومئات السنين التي سبقت، ولكي تستمر وجَبَ عليها أن تضع تعليم المجتمع وتثقيفه على قائمة أولوياتها.
 

وبما أن أكثر من 50% من العالم العربي هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاما، فإنه قد آن الأوان لكي يتم رفع معايير منظومة التعليم العربي والارتقاء بها، لقد اكتفينا مما مضى من تدهور وانهيار لهذا القطاع الحيوي، والأهم لهذه الشعوب التي لا أمل لها سواه، حيث النتيجة مضمونة.
 

أتساءل في بعض الأحيان، بل أتساءل دائما، لمَ لا نستفيد من تجارب الدول المتحضرة، أو نستشفها أو حتى نقلدها ولو حرفيا، أم أننا فقط لا نستطيع إلا أن نأخذ عنهم المهرجانات والبرامج التلفزيونية التي لا طائل منها، ولا تشكل للمواطن العربي العادي أي قيمة، إلا أنه يعرف أنها مسألة تجارية بحتة.
 

نحن لسنا في حاجة لمثل هذه التظاهرات في هذا الوقت بالتحديد، لقد أقامت الدول المتقدمة مثل هذه المهرجانات والبرامج بغرض الترفيه ليس إلا، لأنهم فعلا في حاجة إليها؛ فمن الطبيعي لهذه الدول أن تقوم بالترفيه عن نفسها بعد ما قدمته وتقدمه. 
 

لا مجال سوى أن توجِّه الدول العربية كل إمكانياتها لدعم التعليم بشتى أنواعه، من رياض الأطفال حتى الجامعي، والاهتمام كل الاهتمام بما يسمى بالبحث العلمي

لماذا أوصلنا أنفسنا لهذه الدرجة من الضياع الفكري والعلمي؟ هل فعلا مجتمعنا العربي مخترق وموَّجه فكريا.. وإذا كان ذلك صحيحا، إلى متى سنظل كذلك.. إلى متى تأخذنا التبعية إلى حيث لا ندري.. إلى متى سنظل واقفين "محلك سر".. إلى متى كل تجمع أو تظاهرة فكرية نستشرق فيها الأمل تكون برعاية "الاتحاد الأوروبي" أو "الأمم المتحدة".. إلى متى ومتى ومتى..

الواضح أنه -وبكل المقاييس- علينا أن ننتظر معجزة إلهية توقظ ضمائر عقولنا، لأن الواقع لا يبشر بالخير.
 

نعم بالفعل أنا أدعوك للتشاؤم، بالعمل بنظريتي العجيبة "تشاءم الآن حتى لا يسود التشاؤم"، فمن الممكن لِكُرهِكَ لواقعنا المرير وتشاؤمك منه أن يدفعك لتغييره ولو قليلا، حينئذ لن نضطر لانتظار معجزة.
 

الآن وقد دقت الساعة، لا مجال سوى أن توجِّه الدول العربية كل إمكانياتها لدعم التعليم بشتى أنواعه، من رياض الأطفال حتى الجامعي، والاهتمام كل الاهتمام بما يسمى بالبحث العلمي الذي شارفنا على نسيانه.
 

وإذا كان هناك شيء أستطيع أن أوصي به في هذه القضية المؤرقة، فهو -ودون أدنى شك- تعليم المرأة وتقديم كل ما يلزم للقضاء على كل المعوقات التي من الممكن أن تمنع الفتاة العربية من أهم وأغلى حقوقها، لأنها وبمجرد حصولها على هذا الحق الأصيل فإنها ستعيده لهذه الأمة أضعافا مضاعفة، وتنشئ جيلا يستطيع أن يجعلنا ندا للدول المتقدمة ولما لا يجعلنا أفضل منها، لأنه يعرف ماذا يريد.
 

في الأخير وبمخالفة توقعاتي، يبقى هناك أمل.. كل ما أعرفه عنه هو مكان نشأته، سيولَد ويتربى في عقول أولئك الذين يأبهون ويهتمون لحال أوطانهم ولحالهم، ثم يكبُر ويشتد لكنه لن يشيب أبدا.. لأن القائمين عليه آنذاك هم الذين يكسو السواد رؤوسهم.

الأمل في الشباب..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.