شعار قسم مدونات

مواقع التواصل الافتراضي.. منصة للإرهاب الواقعي

blog-فيسبوك

لعلنا لا نبالغ إذا اعتبرنا عصرنا الحالي عصر ثورة وسائل الاتصال الحديثة، هذه الوسائل التي تخطى استخدامها ما كان متوقعا لتُحدثَ في زمن قياسي تأثيراً هائلا وعابراً للحدود بحيث أضحى أي تفاعل يحدث في أي منطقة في العالم يترك تأثيره في المناطق الأخرى.

إن ما جاءت به التكنولوجيا الحديثة للإعلام والاتصال قد فتح آفاقا جديدة وأحدث تغييرات عميقة في مختلف جوانب الحياة الإنسانية، والثقافية، والفكرية، والاجتماعية، كما أثر بشكل كبير على كافة أنماط الاتصال الإنساني، حيث فتح المجال واسعا لتجسيد مفهوم القرية الكونية الذي أشار إليه مارشال ماكلوهان.

يستخدم الكثير من الشباب شبكات التواصل الاجتماعي للدردشة، ولتفريغ الشحنات العاطفية، وتبادل وجهات النظر الثقافية والفكرية، ونشر الأخبار بعيدًا عن مقص الرقيب

وتعد مواقع التواصل الاجتماعي من أبرز إفرازات الثورة الاتصالية باعتبارها شبكات تواصل عالمية فرضت نفسها بقوة بما في ذلك داخل المجتمعات العربية خاصة في السنوات العشر الأخيرة، وذلك لأن أغلب تلك الشبكات متاحة للجميع بالمجان، ولأنها صممت أساسًا لتكون سهلة الاستخدام وبدون تعقيدات، كما أنها عملت على تكوين مجتمعات افتراضية جديدة جمعت لأول مرة بين النص المكتوب والمقطع المرئي، وهو ما ساعد في تحويل المستخدِم من متلقٍّ للمعلومات كما في وسائل الإعلام التقليدية، إلى منتِج للمعلومات ومشارك فيها.

ويستخدم الكثير من الشباب شبكات التواصل الاجتماعي للدردشة، ولتفريغ الشحنات العاطفية، وتبادل وجهات النظر الثقافية والفكرية، ونشر الأخبار بعيدًا عن مقص الرقيب، وهو ما لم يكن متاحًا من قبل بالنسبة لهؤلاء بحيث أصبحت هذه المواقع فضاءات مفتوحة وأرضيات للتمرُّد، بداية بالتمرد على الذات ثم على المجتمع ووصولا إلى التمرد على السلطة الحاكمة وانتهاء بالتمرد على النظام العالمي عن طريق الانخراط في منظمات إرهابية ومتطرفة.

لقد أضحت هذه المواقع القاعدة الأساسية لتجنيد الشباب وتعبئتهم فكريا بأفكار التطرف والإرهاب خاصة في العشرية الأخيرة مما جعلها ظاهرة جديرة بالمتابعة والدراسة والتحليل بالنظر إلى تأثيراتها العميقة والشاملة والبالغة التعقيد، التي مست الكثير من المجتمعات بفعل انتشار الفكر المتطرف عبر شبكات من المفروض أنها وجدت لتعزز التواصل والحوار البشري.

تزايد الاهتمام بدراسة دور شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها في التأثير على الجانب الإعلامي بشكل ملحوظ، بعد أن تحول دورها من مجرد كونها منصات للتواصل الاجتماعي وتكوين الصداقات الجديدة، أو آلية تعريفية تستخدمها وسائل الإعلام ومراكز الفكر كمنابر للشهرة والتعريف بالأفكار والأشخاص اعتمادا على ما توفره من قدر كبير من الاتصال بين الجماهير، إلى شبكات يستغلها مستخدموها للعمل السياسي، وتوظيف الإعلام من خلالها في أهداف تتعلق بمنظمات متطرفة جهادية وإرهابية، وفق مفاهيم جديدة للمشاركة الإعلامية واستقطاب جماهير خاصة بتكوين هذه المنظمات.

لقد أصبحت المواقع الاجتماعية تمثل منبرا لاستقطاب الشباب المسلم عامة والعربي خاصة الذي باتت تتقاذفه العديد من المشاكل في مقدمتها مشكلة البطالة والتهميش الاجتماعي المفروض على هذه الفئات من طرف الحكومات العربية

ومع تطور ساحة التكنولوجيا وتوغل الجماعات والتنظيمات الإرهابية في مختلف دول العالم مستغلين الطفرة التقنية وسبل التواصل الاجتماعي الآنية، باتت هذه الوسائل ساحة استقطاب للانضمام إلى تلك الجماعات وهذا ما يؤكد عليه الخبراء من أن التطور التكنولوجي ساهم في زيادة عدد الشباب المشارك في الجماعات الجهادية وسهل تناقل الأفكار والأساليب المتطرفة من خلال استقطابهم من طرف هذه الجماعات.

ولعل من أشهر هذه التنظيمات التي باتت تعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي في تجنيد أعضاء جدد لها، تنظيم ما يعرف بدولة الإسلام في العراق والشام أو الذي يعرف اختصارا في وسائل الإعلام العالمية بـ"داعش"، إذ باتت هذه المواقع الاجتماعية تمثل منبرا لاستقطاب الشباب المسلم عامة والعربي خاصة الذي باتت تتقاذفه العديد من المشاكل في مقدمتها مشكلة البطالة والتهميش الاجتماعي المفروض على هذه الفئات من طرف الحكومات العربية.

وذلك من خلال استغلالهم عن طريق الإغراءات المالية طمعا في تحسين ظروفهم الاقتصادية السيئة وحاجتهم الملحة للمال خاصة خريجي الجامعات والمعاهد بينما يبحث غيرهم عن السلطة والنفوذ غير المحدود مستغلين حماسة الشباب.

وقد أوجد هذا التفاعل الكبير في مواقع التواصل الاجتماعي بين المستخدمين من فئة الشباب وبين عناصر هذا التنظيم المتطرف، نوعا من الردود التفاعلية بالإيجاب أو بالسلب بينهما من خلال الاستخدامات والإشباعات المحققة من خلال هذه المواقع الاجتماعية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.