شعار قسم مدونات

حتى الوداع الأخير كان على الواتس

blog-الشاحنة

أبو وليد: السلام عليكم ..
وعليكم السلام هلا أبو وليد كيفك طمني عنك
أبو وليد: الحمد لله بخير عايشين. 
طمني كيف خدوج الصغيرة الحمد لله بخير وسلامة..
أبو وليد: طمني شلون شغلك
الحمد لله تمام .. أنت طمني عنك إن شاء الله شغال
أبو وليد: أي الحمد لله

انتهت المحادثة بتاريخ 2016/8/29 الساعة: 6:37 مساءً، لم أكن أعلم أنها ستكون الكلمات الأخيرة بيني وبين أبي وليد الذي يكبرني بأربع سنوات، ولو علمت ما قطعت المحادثة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.
 

ثلاث سنوات ونصف تقريباً ولم نر بعضنا البعض.. أبو وليد مقيم في سوريا بريف درعا المحرر وأنا قرب الحدود السورية التركية في إقليم "هاتاي"، وسيلة التواصل الوحيدة بيننا اقتصرت في معظم الأحيان -وأكاد أن أكون جازماً- الكتابة فقط عبر تطبيق واتساب، وسبب التواصل المكتوب يعزى إلى ضعف شبكات الإنترنت تارة وانشغاله وانشغالي تارة أخرى.
 

تمكن أبو وليد من الانضمام إلى أحد فصائل الجيش الحر وكنت أتواصل معه وكان في سعادة غامرة في المشاركة بمعارك تحرير معظم ريف درعا

أبو وليد الذي خرج من مدينة درعا بعد انقضاء العام الأول من الثورة السورية نحو الريف المحرر لم يكن متزوجاً في حينها وكان مقصده وهدفه الأول الانضمام إلى الجيش السوري الحر لقتال قوات النظام التي عاثت فساداً في مدينة درعا ويكاد لم يبق بيت من بيوتها إلا وفيه شهيد أو أكثر أو معتقل أو مصاب ببتر أو بعاهة مستديمة.

تمكن أبو وليد من الانضمام إلى أحد فصائل الجيش الحر وكنت أتواصل معه وكان في سعادة غامرة في المشاركة بمعارك تحرير معظم ريف درعا وكان دائماً متخفياً متوارياً عن كاميرات الناشطين التي كانت تنقل معارك التحرير واستهداف الأوكار التي تتجمع بها قوات النظام والمليشيا المساندة له إلا أن توقف المعارك في الجبهة الجنوبية وتجميدها من قبل الغرف المظلمة شكل هاجساً في تفكير أبو وليد.

كان يتواصل معي بشكل مستمر ويبدي تذمره من نشاطات ممن يحسبون على الجيش الحر والثوار بشكل عام مما دفعه إلى الإنسحاب من خطوط الجبهات إلى ممارسة مهنته قبل اندلاع الثورة وهي قيادة الشاحنات الثقيلة والتي كان يعشقها بشكلٍ يدعو للاستغراب حتى أن زائر صفحته الشخصية على "فيس بوك" يشاهد بأنها تكاد تنعدم من أي منشور دون أن تحمل صوراً لشاحنات وحافلات.

إلا أن عمله في الوقت الراهن اقتصر على النقل الداخلي بعد أن كان يعمل في النقل الخارجي (دول الجوار) وكان الجانب الإغاثي هو صلب عمله أي نقل المواد الإغاثية من المعبر الحدودي مع الأردن إلى المناطق المحررة بريف درعا وكنت دائماً أساله عن خطورة النقل لمثل هذه المواد خاصة أنها أهداف مباشر للنظام الذي كان يتقصد استهدافها في عموم سوريا ولكن دائماً كانت إجابته بتبسيط الأمور وأن الأعمار بيد الله.

وبعد أشهر من عمله ودون سابق إنذار أخبرني برسالة قصيرة (حبيب أنا اليوم كانت خطبتي) في واقع الأمر لم أقرأ أجمل من هذه الكلمات منذ أشهر، وحاولت الإتصال به مباشرة "للتهنئة" إلا أني لم أتمكن لضعف الإتصالات في الداخل السوري واقتصر الحديث على بضع كلمات حاولت من خلاها أن أنقل ما يجول في خاطري من فرحة إليه بعد هذا الخبر.

وبدأ أبو وليد بعدها رحلة جديدة وهي البحث عن مسكن الزوجية الجديد فقد عمل جاهداً على أن يكون يوم زواجه هو يوم ميلاده 25/3 واللافت  في الموضوع أنه يحمل نفس ميلاد الفتاة التي قرر الارتباط بها وبعد أشهر من الخطوبة وقبل أيام من هذا التاريخ تمكن من الاستعداد ليوم زفافه في الموعد المحدد وكان في فرحة غامرة كما كان يخبرني الأقارب والأصدقاء المقربين منه وكنت أفرح بهذه الكلمات وأتمنى أن أكون أحد الحضور لأشاركه فرحته، وكان الأقارب يرسلون لي بعض الصور أثناء إتمام مراسم الزواج وكان سعيداً كما أخبرني المقربين منه بهذه النقلة إلى عش الزوجية.
 

كنت حين يتأخر أو ينشغل عني ولا يرسل الصور كنت أتواصل معه لإرسالها، وكان آخرها قبل أن يودع الحياة شهيداً جميلاً إلى جوار ربه

ومضت الأيام والأشهر وأخبرني بأن زوجته حامل وستضع مولودها بعد أشهر فكان رهاني معه إن كان المولود أثنى فأنا من سيختارالإسم وإن كان ذكراً فله الحق بالتسمية وجاء المولود وكانت أثنى وأطلق عليها الاسم الذي اخترته لها قبل أن تولد" خديجة" اسم ست الحبايب وأعزهم على قلبي رحمها الله.

وكان جميع الأهل في أبهى صور الفرحة "بخدوج الصغيرة" كما كنت أطلق عليها وكان بين الحين والآخر يرسل إلي بعض صورها وهي في تغير دائم من حيث الشكل وكنت أقول له أنها بدأت تشبه أمي وهو يردد  ذات العبارة" إن شاء الله تطلع لأمي".

وكنت حين يتأخر أو ينشغل عني ولا يرسل الصور كنت أتواصل معه لإرسالها لي وكان آخرها قبل أن يودع الحياة شهيداً جميلاً إلى جوار ربه بعد أن أنهى معي المحادثة بكلمة "الحمد لله بخير عايشين" بعد أن تعرضت الشاحنة التي يُقلها إلى استهداف مباشر بالصواريخ من قبل قوات النظام ببضع صواريخ أنهت مسيرة أخي خالد في الحياة وهدمت أحلامه في مشهد أقرب ما يكون إلى الخيال .
 

في واقع يتجسد كل يوم في كل رقعة من تراب سوريا في ظل تخاذل عربي ودولي وغياب تام عن المشهد السوري إلا في حال التكسب السياسي لبعض قادة الدول أو كمادة إعلامية دسمة لبعض القنوات التي تحاول الوصول إلى المجد عبر صور أشلاء أطفالنا ونسائنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.