شعار قسم مدونات

قراءة مختصرة في تاريخ الأمازيغ

blogsالامزيغ

هناك مثل مشهور عند المهتمين بالتاريخ المغربي يقول: "سبحان لي عرب دكالة وشلح الشياظمة".
 

أود أن أشير في بداية الأمر إلى أنني لا أعتبر المغرب بلدا عربيا بالمنظور الشرقي، فالمسألة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار كما يقال، المغرب أو "مراكش" -كما سمي قديما- هو بلد أمازيغي الأصل.
 

رغم أن شمال أفريقيا كان موطئ قدم العديد من الشعوب والحضارات فإن أحدا منها لم يترك تأثيرا عميقا على مستوى بنياتها الثقافية والتاريخية باستثناء العنصر العربي

غير أنه شهد توافد عناصر بشرية عديدة ومختلفة الأعراق والحضارات. وهكذا كان الحال بالنسبة للعنصر العربي الذي نزح إلى المغرب الكبير وقام بما سمي تاريخيا بـ"الفتوحات الإسلامية" في العهد الأموي وتعزز هذا التواجد مع ظهور الهجرات التي قامت بها مجموعة من القبائل على غرار بنو هلال وبنو معقل وبنو سليم وغيرهم.
 

ورغم أن شمال أفريقيا كان موطئ قدم العديد من الشعوب و الحضارات المختلفة إلا أن أحد منها لم يترك تأثيرا عميقا على مستوى بنياتها الثقافية و السوسيولوجية و التاريخية باستثناء العنصر العربي الذي استطاع النجاح فيما فشلت فيه العناصر الأجنبية الوافدة على المنطقة ، حيث استثمروا الإسلام و تمكنوا من إدماجها – أي بلاد الأمازيغ – ثقافيا و لغويا و دينيا تحت ظل الحضارة الإسلامية و ضمنوا بذلك عنصرا بشريا ساعدهم على التوغل نحو شمال المغرب و فتح شبه الجزيرة الإيبيرية.
 

و إلى جانب كل هذا ، كان التاريخ شاهدا على قيام دول حكمها عرب ذوو نسب ينتهي للنبي صلى الله عليه و سلم بمساعدة قبائل أمازيغية كما هو الشأن بالنسبة للأدارسة على سبيل المثال ، إلا أن النقطة الأكثر جدلا هي أن بعض الدول أقامتها قبائل أمازيغية على غرار المرابطين و الموحدين إلا أنهم لم يدفعوا باتجاه الاعتماد الرسمي على اللغة الامازيغية للدولة، و إعتمدوا بشكل كبير على اللغة العربية، وربما يرجع هذا لاستنادهم إلى الشرعية الدينية و نشرهم للمذهب المالكي بالمنطقة، وتبني حركة التوحيد المذهبي ببلاد المغرب الذي كان يشهد آنذاك انقساما مذهبيا و طائفيا.
 

طبعا.. فالأمازيغ رغم تميزهم عن غيرهم من الشعوب بمجموعة من التفاصيل الإثنوغرافية والثقافية، إضافة إلى الذهنية التراثية الشعبية، إلا أنهم افتقدوا إلى الكتابة العلمية و التدوين و الإنتاج المعرفي كما كان يتقنه العرب واللاتينيين، وهذه النقطة بالذات التي يغفل عنها مختلف الباحثين تمثل نقطة الضعف في الحضارة الأمازيغية، وإحدى دوافع استقواء الحضارات الأجنبية التي غزت بلادهم و استوطنت معاقلهم .
 

فمعظم الكتابات التي تحدثت عن الأمازيغ – إن لم أقل جلها – خصوصا القديمة منها ، هي في حقيقة الأمر كتابات أجنبية لاتينية و عربية، و ربما لم يفطن الأمازيغيون لهذه النقطة إلا في هذه الأيام حيث برز مؤرخون و باحثون أمازيغ حاولوا التأريخ للأمازيغية لكن دون أن يتخلوا عن الاعتماد بكل اساسي على الكتابات الاجنبية.
 

في المغرب غالبية الشعب هو مزيج بين العرب والأمازيغ حيث انصهرت أنسابهم وخلقوا مجتمعا متميزا يلزمه التعايش بعيدا عن كل دعوات التطرف والإقصاء

منذ مطلع القرن الواحد والعشرين ، بدا واضحا أن الدولة المغربية تسعى إلى إعادة الاعتبار للقضية الأمازيغية، خاصة مع ازدياد حركات الاحتجاج المطالبة بترسيم اللغة الأمازيغية، و هو ما تحقق نسبيا منذ تأسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية و ترسيم اللغة في دستور سنة 2011، إضافة إلى إجبارية تدريسها في التعليم العام و فرضها في الإدارة المغربية .
 

يتعامل بعض الأفراد المحسوبين على الحركة الأمازيغية الثقافية بأسلوب يغلب عليه طابع التطرف في دفاعهم عن القضية الأمازيغية، خصوصا في مهاجمتهم الدائمة للعنصر العربي، مع العلم أن في المغرب غالبية الشعب هو مزيج بين العرب والأمازيغ، حيث انصهرت أنسابهم و خلقوا مجتمعا مغربيا متميزا يلزمه التعايش بعيدا عن كل دعوات التطرف و الاقصاء ومهاجمة الآخر، و بالتالي أصبح من الواجب علينا السعي إلى تطوير الثقافة الأمازيغية الغنية و تحرير تاريخها من الاستلاب الايديولوجي الاجنبي .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.