شعار قسم مدونات

تقييم الكتب.. لمن يجرؤ فقط!

تقييم الكُتب .. لمن يجرؤ فقط!

عمدت منذ فترة قصيرة إلى إعداد قائمة بالأعمال الأدبية التي نالت جائزة نوبل أو جائزة البوكر أو غيرها من الجوائز المخصصة للكتب والإنجازات الأدبية.
 

ورغبة مني في الاطلاع على العناوين التي لطالما سمعت بها وعنها وغالبا ما أجد أن من حولي على اختلاف أجيالهم يعرفونها وسبق لهم قراءتها قمت باختيار مجموعة متنوعة منها وشرعت بالقراءة، فوجدت منها ما يخطف الأنفاس ويسرح بالعقول بعيدا ويسمو بالأدب إلى أشكال وخصائص لم تعرف من قبل حتى لا أكاد أنهي الرواية إلا وأنا ممتنة جدا لحصولها على تلك الجائزة أو ذلك التقدير.
 

ما إن انتشرت المراجعة حتى تلقيت سيلا من الانتقاد حول عجزي عن إدراك عظمة الكتاب

أما بعضها الآخر فقد احتجت أثناء قراءته إلى كأس من الماء بجانبي حتى أستطيع هضم الكلمات بلا تعسر، ولعل الماء يسرع وتيرة الأحداث أو يعطي للرواية ولو حتى في آخر صفحة هديرا جميلا، وهنا بدأت المشكلة!
 

على موقع الـ(Goodreads) يقوم القراء من جميع أنحاء العالم بالتقييم وكتابة المراجعات عن شتى أنواع الكتب والروايات، وبالعادة أقوم بقراءة تلك المراجعات والتقييمات للكتاب قبل أن أبدأ بقراءته وبعد ذلك حتى أستطيع تكوين فكرة عامة عنه وعن أصدائه، وأثناء ذلك لاحظت أن الكتب المشهورة -سواء بعنوانها أو باسم مؤلفها أو بجائزة حازتها- عادة ما تحصل على تقييمات مرتفعة جدا، وتجد ضمن المراجعات شروحا وافية للأسباب التي ارتأى منها القارئ أن الكتاب يستحق ذلك التقييم.
 

أما باقي المراجعات فيكتفي القارئ بمنح الكتاب خمس نجوم ثم التعليق باستحياء أن الكتاب عظيم – كما اتفق الجميع- إلا أنه لم يفهم كل ما ورد فيه، أو شعر ببعض الملل الذي غالبا لا يحمل مسؤوليته لذلك الكتاب المشهور بل إلى قصر نفسه على القراءة وتتبع ما بين السطور.
 

قررت حينها التمهل فيما لاحظته، وقمت بكتابة مراجعة لكتاب حاز مؤلفه على عدة جوائز ولا تكاد تخلو مكاتب المنازل ورفوف المكتبات العامة منه، وصفت فيها حالة عدم الاندهاش والعادية الشديدة التي يكتسي بها ذلك الكتاب، بل والغموض العسير الذي يحتاج لمهارة فتح المندل حتى تستطيع إدراك ما يحاول هذا الكاتب قوله، كما وأوردت ملاحظتي بتأثر الكاتب الشديد بمعلمه والذي آل إلى التقليد المفضوح والصارخ.
 

وما إن انتشرت المراجعة حتى تلقيت سيلا من الانتقاد حول عجزي عن إدراك عظمة الكتاب، ودعوات أخرى لمحاولة هدايتي وإرجاعي إلى صوابي بإعادة قراءة الكتاب، وتكررت هذه التجربة بعدة كتب، الأمر الذي دفعني للتساؤل حول مفهوم الأدب لدى الناس.
 

يفترض بالقراءة أن تعزز فردانية الإنسان وتصقل قدرته على تكوين آرائه الخاصة

فالذائقة هي التي تفرق الأدب عن كتب الفكر المملوءة بالنظريات والحقائق التي قد لا يختلف عليها اثنان، والتي تحتاج إلى أدلة وبراهين عندما تريد المحاججة عن رأيك فيما ورد فيها، وهذا لا يعني بالطبع أن الأدب لا يخضع لتقنيات معينة في نقده، إلا أن كنه الأدب يكمن في قربه من الإنسان أو على الأقل محاولة في التقرب إليه وفهم ذلك الكائن العجيب بمشاعره وأفكاره الدافئة منها والشاذة.
 

هل أدت تلك الشهرة التي تتمتع فيها بعض الكتب إلى تكوين عقل جمعي يخاف من نقدها وعدم الإعجاب بها في الوقت الذي يفترض به بالقراءة أن تعزز فردانية الإنسان وتصقل قدرته على تكوين آرائه الخاصة وتعزيز وعيه بنفسه وبذوقه؟ وإلى أين سيصل الأدب حينما يعمد الكتاب الشباب لمحاكاة تلك الأعمال طمعا أو أملا بإدراك بعض شهرتها ونفوذها؟
 

بدلا من أن يكون الإنتاج الأدبي للكاتب هو تعبير خالص عن جوهره وتجربته أو حتى خياله، وكم يا ترى هي أعداد المؤلفين الذين كتبوا فأجادوا ولكن لم يحالفهم الحظ في انتشار أعمالهم كما حالف غيرهم فتوارت أعمالهم خلف الغبار والستائر، فلم يعرفهم أحد سوى أولئك القراء الذين لا تغريهم بُرق العناوين ولا التماع الجوائز، بل يدركون أن ضالتهم قد تحتاج منهم إلى مناديل كثيرة لمسح الغبار عنها وإلى ذائقة جريئة لمشاركتها مع العالم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.