شعار قسم مدونات

أماني الكسالى وأحلام الغافلين!

blogs - painter
نستيقظ كل صباح على أنغام احلامنا في المنام، والتي تحلق بنا نحو حياة أجمل، وعيش أفضل. ولربما تكون المفارقة عجيبة بين أحلامنا وواقعنا، إذا ما نظرنا من نوافذ غرفنا، لنلحظ الهوة بين تلك الأرض التي تدوسها أقدامنا، وبين تلك التي نشاهدها حين نغط بعيداً عن واقعنا.

لربما كانت الأحلام جميلة، ومسلية في بعض الأحيان، تريح القلب وتزيح عنه بعض الهم أو الكدر، إلا أنها لا تؤثر للأسف في واقعنا، ما لم نتحرك بقلوبنا وجوارحنا وضمائرنا لتغيير هذا الواقع، فهناك فرق كبير بين الحلم الذي يدغدغ مشاعرنا ويسلينا، وبين ذاك الذي يكون درجة في سلم أهدافنا ومستقبلنا.

ليس أخطر على الشباب من أولئك المضللين الذين يعدونهم بانتصارات مستقبلية، وأوهام لإعادة المجد والعزة، وهم جالسون على مناضد الكسل والقعود، دون أن يحثوهم على الانتفاض والنهوض من واقعهم البائس، وحياتهم الكئيبة التي ارتضوها لأنفسهم. وقد ابتليت بأمتنا بكثير من أولئك المعطلين لحركة الشباب، أصحاب الأماني، وبائعي الأوهام والكلام.

ليس لهذه الأمة غير شبابها وعلمائها وأهلها، ولن يحل مشاكلها سواها، ولا حل إلا بعقول وقلوب مؤمنة بقدرتها على النهوض.

علموا مريديكم أن طريق الحضارة يشق بأيدِ الرجال، وأن الآمال الكبيرة لا تحملها إلا أكتاف أصحاب الهمم العريضة، وأن غبار الإنجاز أجمل على النفس من نسيم صباح عليل معتق بالكسل والبطالة!

كل الطرق جميلة، ما دامت في سبيل النهوض وبلوغ الهدف، وإن كثرت عقباتها، وعلت أحجارها، وكل أيامنا مباركة، ما دامت توقطنا على حلم كبير، وتجعلنا ننام على إنجاز يربطنا بحلم أكبر.
صنف كبير من الناس ينتظر معجزة من السماء، أو مهدياً رسمه في خيالاته لعله يمهد له الدرب. وما الأمر بذلك من شيء، بل الأمر كله منوط بحركة الإنسان، خاصة بعد توقف الوحي وارسال الأنبياء، فلم يبقى إلا: "وقل اعملوا".

في بلادنا، تبدو كل القطاعات بائسة، تحتاج من يرممها ويعيد لها الحياة، وكل شئ يعيش في نهاية دورة حياته ينتظر تجديداً وبعثاً من جديد. وبرأيي لا أهم وأولى في هذه الفترة من تجديد الإنسان، وبعث همته وأمله في الحياة من جديد، خاصة تلك القلوب المتعبة، والأرواح البائسة. فمؤشرات الانتحار في عالمنا في تزايد، وتطلعات الشباب المنتفض في الربيع العربي عادت إلى خبوتها بعد أن خذلتها الثورة المضادة وغدرت بها!

ليس لهذه الأمة غير شبابها وعلمائها وأهلها، ولن يحل مشاكلها سواها، ولا حل إلا بعقول وقلوب مؤمنة بقدرتها على النهوض، وسواعد تبذل ما في وسعها لشق طريقها، وما عدا ذلك فهو وهم مباع، وأمانٍ تدغدغ قلوب الكسالى والغافلين، وتعبث بقدر هذه الأمة، وتحيدها عن طريق المجد والحضارة.

ورحم الله أرواحاً تاقت إلى المجد ونهضت إليه، تبحث عنه، وتمني النفس بلقياه، نفوس ما كلّت ولا ملّت، تنام على أمل كبير بلقياه، وتنهض على شعاع صباح يدل عليه، فمشت في الطريق، وركنت بسلام هناك. فسلام على الخالدين، وسلام على تابعيهم من الآخرين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.