شعار قسم مدونات

الفن العربي.. هل يتسارع بانحدار؟

blogs - music
يشهد العالم الآن حركة فنية صاروخية تستهلك كل التطور الذي حدث في هذا الكوكب على مدى القرون الأربعة الماضية ، و تدفع بنفسها الى مسافات ماراثونية لا تصدق ، فهل تلصق أمتنا العربية نفسها في مؤخرة هذا الصاروخ ؟ أم أننا بعيدين كل البعد ؟

غالباً ، و في ردهات الحديث عن الفن يتيه القراء في مفاهيم كثيرة و يخرجون من قراءتهم خاسرين قيمتها و رابحين عبثية أخرى في تلك المفاهيم التي لا تتوضح كما يجب ؛ و لإنني من عشاق الأرضيات المشتركة التي تتيح للنقاش حميمية فكرية ، فإنني سأوضح الفن بشكل عام و أنواعه التي تسير في هذه الحركة الصاروخية .

ما هي الفنون التي أشرفت على عملية الإنطلاق الفني الذي يشهده هذا العصر ، و هل نجاريها نحن العرب ؟ أم أننا سنعاند الأمم الأخرى حتى في التقدم ؟

لقد تعددت التعريفات و اللغات الإصطلاحية في شرح هذا المفهوم ، والفن في مفهومي الخاص الذي استوحيته من عديد الآراء و التعريفات هو إستلهام الطبيعة خيالياً و الأخذ من مادتها و إعادة تصنيفها و ترتيبها و تشكيلها و ملئ معظم مادتها بمضمون فكري و حس جمالي عالي المستوى ثم إضافة و تقديم هذا العمل الى الحياة و الجماهير .

و قد اتفق الكثيرون على تصنيف الفنون تحت خانات الفنون التشكيلية و البصرية كالرسم و النحت و التصوير و … ، و الفنون الصوتية كالموسيقى و الغناء ، و الفنون الحركية كالرقص و السيرك ، و الفنون الأدبية كالشعر و الرواية و القصة و … ، فما هي الفنون التي أشرفت على عملية الإنطلاق الفني الذي يشهده هذا العصر ، و هل نجاريها نحن العرب ؟ أم أننا سنعاند الأمم الأخرى حتى في التقدم ؟

إن ما يظهر في المشهد الثوري للفن في هذه الحقبة الزمنية هي الفنون الأدبية ، و التمثيلية ، و الصوتية ، فالشعر لا زال يجذف في الأمتار الأمامية للبحيرة الفنية ، مصطحباً معه شقيقته الأخرى (الرواية) ، متأخران قليلاً عن الحركة الخاطفة للفنون التمثيلية، و التي سبقتهما منذ منتصف القرن الماضي عندما صارت السينما هي القائدة للواء أخويها الأقدم و الأحدث؛ الفن المسرحي و الفن التلفزيوني، و لكن هذه الفنون التمثيلية التي أزاحت الأدب عن مركزه القيادي التاريخي ،لم تستطع تولي القيادة العامة لإن الفنون الصوتية من موسيقى و غناء، قد ركضت سريعاً الى أول متر في المقدمة معلنة بذلك قيادتها للعناصر الثلاثة الأولى في هذا الماراثون الفني، فهل مر طريق هذا الماراثون في عقول سكان الأمة العربية من المحيط الى الخليج ؟ أم أننا مارسنا طريقتنا في الإتهام العشوائي المثير للضحك المجبول بالبكاء ؟

لقد تجرعنا من هذه المعاناة ما يكفي لأن نصحو من هذه الغيبوبة المقيتة ، و لنرفض كل هذا السائد و المنتشر و لتبدأ سباباتنا في نقده و تشريحه بكل بسالة و إظهار عفونته و أوبئته

إن الناظر الى حال الفنون العربية في هذه السنوات يجدها تشرع في الإقتراض لتأمين أكفانها ، فالعبثية و الهمجية التي تزدحم بها طرقاتنا و أزقتنا ، لم تتوانى عن إصطحاب الذرات المتبقية عندنا من الأصالة الفنية ، فلم يبق في المسلسل الهزلي الذي يحدث في منصة الفن إلا شرذمة القوم يصولون و يجولون ، و يخطبون على المنابر الفنية الكبرى باسم الفن ، و يسبحون في فراغ دائري لا يفضي إلا الى الصرير المزعج لآلات موسيقية حمقاء ، و صور فنية مكتوبة على صفحات لا تصلح أن تكون خرقاً بالية ، و أفلام لا تشبع إلا الغرائز في طرائق الهمز و اللمز و الإعتداءات الجنسية اللفظية – و ربما الجسدية – ، و الأساليب الإحترافية للتجسس و القتل و التفجير ، فهل هذا المسلسل يعترف لنا صراحة بالكارثة ؟ أم أننا نستمتع في
هيجان غرائزنا و لا نريد أن نترك لعقولنا مجالاً للصراحة ؟

يكفينا أن نقارن بين فنوننا و الفنون الغربية ، و بين فنانينا و فناني الغرب ، فهل تقارن سيمفونيات بيتهوفن وحده بكامل الإنتاج العربي من الموسيقى الشرقية – على فرض أننا أنتجنا موسيقى شرقية حقيقية منذ قرون – ؟ و هل كان عبقري الموسيقى التاريخي موتزارت يطلع على المسارح و يقول لشعبه ( أنا الملك ) ؟ أم أنه كان ينحني لهم محبة و إحتراماً و تواضعاً ؟ و هل تخرج ذائقة الإنسان الفنية بعدما يسمع موسيقاه كما تخرج بعدما يسمع موسيقانا ؟ ومغنيين الأوبرا التاريخيين ، هل كانوا قياصرة ؟ وبيكاسو ، ماذا عنه ، هل كان إمبراطوراً ؟ وهل كان مايكل آنجلو ينجز إبداعاته ليتباهى أمام حكام عصره ؟ وهل غرق دافنشي في مستنقع الشهرة و عانى كثيراً في المساومات على ( بدلات رسمية ) ستوضع في المتاحف – بدلاً من الموناليزا – ؟ وتولستوي ، و فولتير ، و روسو ، و غوته ، و دانتي ، هل كانوا أصحاب المعبد الفني؟.

لقد تجرعنا من هذه المعاناة ما يكفي لأن نصحو من هذه الغيبوبة المقيتة ، و لنرفض كل هذا السائد و المنتشر و لتبدأ سباباتنا في نقده و تشريحه بكل بسالة و إظهار عفونته و أوبئته ، فلن تتسنى لنا فرصة أخرى اذا ما أهدرنا هذه السنوات في الهرب الى الإنتاج الفني العالمي ، و لن يتسنى لنا التكيف مع بيئة ترحب بهذا الإنزلاق الفني الى أسفل سافلين ، و تبارك له و تساعد ، فالأجيال السوية ستختنق في هذه البيئات منذ ولادتها ، و لن تلبث الناجية منها إلا تنشر وباءنا في كل مكان ، فهل سنجازف بتاريخنا ؟ أم اننا سنتسلم لهذا الطوفان الهادر ليطوي صفحتنا الى الأبد؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.