شعار قسم مدونات

في الحرب "مُذكرات ناجية"

blogs - gaza
اليوم الأول..
 
المكان.. غزة
الزمان.. نوفمبر 2014
المناسبة.. حرب العصف المأكول
الأجواء.. الكثيرُ من الضباب، عيون لازالت مُبتلة، دماءٌ خضراء، قلوبٌ تنضحُ حُبًا، الكثيرُ من القتلى…

"رسائل ما بعد الحرب"
عن الحب و الوطن و أشياء أخرى

"وحده الحب يا إيمان القادر على أن يصنع المعجزات. لم تكن جريمتنا أنهم شوهوا الحب، جعلوه عقيماً لا يُنجب إلا زينته التي يُبديها لكل من أراد. وحدها الأشياء الطاهرة، الشفافة، تلك التي تشبه لون القلب، هي التي تحيا، وللأبد. حين الحرب، يحترق الحب أمام الثورة، ليشعل باحتراقه درباً واضحاً لا غبش فيه."

اليوم الثاني..

أعلم أنني أكذب، لكن الكذب الآن مسموح، اتفقت معهم على التكبير مع كل صوت قوي، صاروا يركضون بفرح في المكان ويقفزون مع كل صاروخ قريب.

في الحرب، كان بإمكاني أن أحتمل الكثير، كانت لدي طاقة عظيمة تُمكنني من أن أخترع النُكتة مع كل صاروخ، كنت أفعل ذلك وأضحك بملء قلبي من عزيمة، حتى لا يُصاب الصغار بالذعر، مع كل ضربة مُجللة، تهتز بنا السماء، أُسارع في تجميل الذعر والخوف في عيون الصغار، أصرخ صراخاً مُبتهجًا "هاااااااي! ألعاب نارية، يلا كبروا مع كل صوت، ما تخافوا انبسطوا، ألعاب نارية"

أعلم أنني أكذب، لكن الكذب الآن مسموح، اتفقت معهم على التكبير مع كل صوت قوي، صاروا يركضون بفرح في المكان ويقفزون مع كل صاروخ قريب.

مثلتُ دوري جيدًا، طمىنتهم، لم يكونوا إخوتي، ولا أقاربي، كانوا أطفالًا فقط، أطفال بلادي، أطفال لا أرضى لهم أن يرتعبوا ويرتجفوا ويصرخوا مع كل صاروخ موت هلعًا.

في الحرب تتعلم لأجل كل اولئك الأطفال، أن لا تضع يديك على أذنيك وتنخفض رعبًا، في الحرب تتعلم كيف تهلل وتركض فرحًا مع كل صاروخ "ألعاب نارية، الله أكبر".

اليوم الثالث..
صباح الخير غزة، حُبي وألمي.

في الحرب، أنت مُرغم على أن تحافظ على رباطة جأشك، مُرغم على أن لا تبكي، مُرغم رغم أنفك أن تحافظ على رأسك منتصب القامة، إنها مسألة كرامة وهوية ووطن. بكائنا هو علامة انكسار، يأس، ضعف، إنه يجعل أعدائنا سعداء، يُثلج قلوبهم، لذلك فقط أنا سأحتفظ بالدموع في داخلي تحرقني وتشتعل في قلبي لهيبًا. أنا لن أبكي أمامهم، ولن أبكي الآن، الموتُ لا يُخيفني، فقد عزيزٍ لن يكسرني، لن أبكي، ليس لأجلي، بل لأجل الذن أحبهم، أولئك الذين يستمدون قوتهم من قوتنا، بكائنا سيكسرهم، لن أبكي.
ولن أُثلج صدر العدو ولو بدمعة، لن أفعل. سأحافظ على رباطة جأشي.

"الدموع ليست هي الحزن ،الحزن هو أن تستطيع أن تمنع نفسك من أن تبكي أمام أحد من أجل هذا الأحد"
"كان يلزمنا قلوب أكبر كي تتسع لكل هذا الأسى"
"الذي يجبرنا على أن نزغرد في جنازات شهدائنا هو ذلك الذي قتلهم، نزغرد حتى لانجعله يحس لحظة أنه هزمنا وإن عشنا سأذكرك أننا سنبكي كثيرا بعد أن نتحرر" إبراهيم نصر الله، أعراس آمنة.

اليوم الرابع..
مرحبًا أيها العالم!
إنه اليوم الثامن منذ أن بدأت الحرب.
أيقظوني عندما تنتهي فقط.

اليوم الخامس..
إنها الحرب.
أنا لا اؤمن بما يسميه الناس (الحظ) ولكنني نجوت، نجوت للآن، بينما مات الكثيرون. اؤمن بأن لحظتي لم تحن بعد، وأنه لازال بإمكاني أن أحمل المزيد من الإيمان في قلبي، لأن الإيمان يكبر ويُزهر كما تُزهرُ البتلات لتُصبح زهرًا، وتنبثق الأزهار رويدًا رويدًا لتُنجب ثمرأً حلوًا.

لم تحن لحظتي بعد، هذا لا نسميه حظًا، أن تنجو وسط الموت، هذه معجزة، لذلك اؤمن بأن زمن المعجزات لم ينتهي بعد.

قد تتمنى أن تكون أي شيء آخر، قد يُخيل إليك أنك كنت لتكون أشياء أُخرى، كان بإمكاني أن أكون أي شيء آخر.

واؤمن أنه لازال بإمكاني أن أغرس ما بيدي من شتلات، وأن أسقيها وأتعهدها بالحب واليقين بأن الله وإن رحلت سيرعاها، ستكبر وتنمو حتى تصل لأقصى حد تبلغه السماء.

أنا متشوقة لمزيدٍ من الحياة، رتبتُ قائمة أحلامي مجددًا، راجعت ما تعلمته من اللغة اليابانية، أعدتُ كتابة قائمة أحلامي، رتبت ورقمت قائمة الدول التي سأزورها، لازالت اليابان تحتل المرتبة الاولى، أنا متشوقة جدًا. لقد نجوت للآن.

اليوم السادس..
في الحرب،
قد تتمنى أن تكون أي شيء آخر، قد يُخيل إليك أنك كنت لتكون أشياء أُخرى، كان بإمكاني أن أكون أي شيء آخر.

كان بإمكاني أن أكون أي شيء يستطيع أن يطير، عصفورًا ربما، فراشةً ربما، شيء له جناحان، له حرية الهرب بعيدًا، إنها رغبة عارمة للبقاء، للانطلاق، إنها رغبة عارمة ومُلحة لتقرير المصير بشكل ذاتي.
كان الله ليخلقني نحلة، كان بإمكان هذه النحلة أن تُحلق أينما يشدها الرحيق، بين الجبال والأشجار، بحريةٍ كاملة، كنت لأغني أغنية الطبيعة و أردد طنين الحب مع الرحيق والزهور وأنا أحلق كنحلة فقط، كنت لأصدر طنينًا كنحلة فقط.

طنين يشبه ذلك الذي تصدره أذنيَّ على وجه الدوام، أو ذلك الذي يشبه صوت الطائرات الاستطلاعية.
لكن طنين الطائرات الإسرائيلية تُغني بحبٍ قاتل، ذلك ما علمني أن الحُب قوي جدًا لدرجة قد يقتلك فيها.

في الحرب،
قد لا يأخذك خيالك بعيدًا عن الموت كما يفعل خيالي، قد لا تستيقظ على حين غرة وتجد انك إنسان فقط، لحم ودم، لست طائرًا، لست فراشة، لست نحلة، لست أي شيء يمكنه التحليق، أنت مجرد كتلة متشابكة الأعصاب قد يقتلها الحب فقط. قد تجرحها شظية وتُرسلها إلى المقبرة. أنت شيء قابل للانهيار والنزف بأبسط الأشياء.

قد لا يأخذك خيالك بعيدًا، وقد لا تُصاب بحشدٍ من خيبات الأمل التي تسد عليك الحب في قلبك، قد لا توقظك صوت القذائف وأنت تحلق، لتدرك أنك لا شيء يحلق، وأنك بلا أجنحة وأنك مُجرد كتلة من لحم ودم ستقتلها أبسط الأشياء.

إنها الطائرات، لقد كنت أحلم، لقد استيقظت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.