شعار قسم مدونات

خفاف ريو دي جانيرو

blogs- rio
انشغل الكثير خلال الأيام الماضية ببعض الأخبار والأمور، مثل مباراة نهائي كأس مصر ومنافسات الأولمبياد أكثر من انشغالهم بأمور تمس حياتهم اليومية مثل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد، وهو الأمر الذي يوضح حالة من الهروب المجتمعي من الواقع ومواجهة أزماته.

 فيبدو أن الشعب المصري بما عرف عنه من قدرته على تحمل الأزمات بات الآن يدخل في مرحلة جديدة وهي التعايش مع الأزمات وتجاهلها، فهل هذا بسبب عجزه عن المواجهة أم أصبحت سمة حياتية لا شعورية، أم الأمرين معا؟

لكن المؤلم في هذا الأمر هو استغلال الحكومة لمثل هذه الأمور بصورة سيئة بما يمثل نوعا من أنواع الفساد و انعدام الضمير؛ فبدلا من أن تواجه الحكومة أزمة البلاد الاقتصادية (وهى جزء من أسباب تفاقمها) بحكمة وعقلانية وشفافية من خلال مكافحة الفساد وإجراءات إصلاحية حقيقية من شأنها إعطاء قبلة الحياة للاقتصاد المصري المريض؛ إذ بها تتبع إرشادات وتعليمات الجهات الدولية المانحة للقروض بمزيد من إجراءات التقشف غير المنطقية التى تأتي علي البقية الباقية من الطبقة المتوسطة ولن أقول محدودي الدخل فقد قضت عليهم الحكومة الحالية والحكومات السابقة لها.

الحكومة رفعت الدعم عن مواطنيها متناسية دورها الأساسي في خدمة شعبها وتوفير الحد الأدنى من الحياة لهم.

فبدلا من أن تتعامل الحكومة مع الازمة بمنطق أزمة حرب وبمنطق تحديد الأولويات نجدها تتخذ إجراءات (تصرح بأنها صعبة و لابد من اتخاذها لعلاج أزمة الاقتصاد وهو حق يراد به باطل) لا تتفق مع المنطق والعدل والشفافية ففي حين ترفع جزئيا الدعم عن المواطنين في بعض الخدمات بحجة تقليل عجز الموازنة ومواجهة الازمة متناسية دور الحكومة وأي حكومة في خدمة شعوبها وتوفير الحد الأدنى من الحياة لهم، إذ بها تتعامل بمنطق مجلس إدارة المؤسسة الذي يسعي لتحقيق أهداف خاصة به بغض النظر عن مرؤسيه و أزماتهم؛ ولعل أهم مرتكزات الحكومة في إجراءاتها لرفع الدعم عن السلع و الخدمات تدريجيا (كما هي نصائح و متطلبات الجهات المانحة سابقا وحاليا) هو عدم وصول الدعم لمستحقيه!

فإذا كان الامر كذلك بأن الدعم لا يصل لمستحقيه ( وهو حقيقة واقعية) فهل الحل هو رفع الدعم أم إيصاله لمستحقيه؟ الاجابة المنطقية هي إيصاله لمستحقيه وهو الأمر الذي يستلزم من الحكومة بذل مزيد من الجهد في هذا الاتجاه وهو العلاج الصعب فلذلك لجأت الحكومة للحل الأسهل وهو رفع الدعم تدريجياً.. سيقول البعض وكيف يصل الدعم إلى مستحقيه؟

الإجابة بكل بساطة من خلال قاعدة بيانات متكاملة للمواطنين ودراسات اقتصادية واجتماعية تحدد الفئات المختلفة للمجمتع و من تستحق منها دعم كلي و من تستحق دعم جزئي ومن لا تستحق الدعم أصلا؛ لكن العوائق أمام تنفيذ هذه الطريقة عدة أمور:

1. عدم امتلاك الدولة قاعدة بيانات حقيقية متكاملة عن أفراد الشعب ( ليس المقصود أسماءهم وعناوينهم وأرقامهم القومية بل المقصود إضافة لما سبق حجم دخل الفرد وحجم إنفاقه والسلع والخدمات الأكثر احتياجا والتي ستدعمه الدولة فيها) و هو أمر ليس بالهين فقد تجد ممانعة من بعض الجهات لامتلاك مثل تلك القاعدة من البيانات بحجة الأمن القومي ناهيك عن نشرها واتاحتها لصانعى القرار و متخذيه.
2. الفساد الذي يضرب في جذور المؤسسات و في المجتمع المصري حيث ان الفئات الاكثر انتفاعا من الوضع الحالي و الاجراءات التي تتخذها الحكومة هم الفاسدين و المنتفعين في حين ان الفقراء محدودى الدخل و ابناء الطبقة المتوسطة هم من يدفعون فاتورة الازمة و علاجات الحكومة غير المفيدة.
3. عدم امتلاك رؤية متكاملة للادارة الاقتصادية لكن جل الامر انما هو قرارات لمواجهة ازمات متراكمة و متجددة يوميا في صورة أشبه بشخص تقمص دور خباز فأخذ يضع الماء علي الطحين حتي يعجن خبزا فإذا بالعجين جافا فيضع المزيد من الماء بقدر غير مناسب فيصح اشبه بالسائل فيضع المزيد من الطحين فييبس و هكذا في دائرة مفرغة فلا هو ماهر في الصنعة و لا هو يعلم اسلوب العلاج لأزمته.

الفساد أصبح غولاً لا أعلم إن كانت الدولة لديها إرادة حقيقية لمواجهته والقضاء عليه أم لا.

4. عدم امتلاك الحكومة للقوة اللازمة لمواجهة الفساد وأباطرته خصوصا فيما يتعلق بالأمور الحياتية اليومية والسلع و الخدمات التي تقدم للمواطنين؛ حيث أن الفساد أصبح غولا لا أعلم أن كانت الدولة لديها إرادة حقيقية لمواجهته والقضاء عليه أم لا.

إن ما حدث خلال الأيام الماضية من قرارات إنما هو استفزاز حكومي للشعب في صورة صارخة من الاستخفاف به؛ حيث اتخذت الحكومة قرارات تقشفية ففي حين نراها تنفق الملايين بل المليارات في بنود وأمور أقل ما توصف به تشكل حالة من الفساد.

ففي حين ترفع الدعم جزئيا عن المواطنين في الكهرباء، نجد الدولة تنفق اكثر من 400 مليون جنيه على البعثة الرياضية المشاركة في الأولمبياد والتي عادت بثلاث خفاف من ريو دي جانيرو، وكذلك تفرض مزيد من الرسوم والأعباء علي المواطنين في حين أن الفئات الغير مستحقة للدعم يزيد دعمها في واحدة من أوضح الصور على الفساد (سواء اتفقنا او اختلفنا هل هو متعمد أو غير متعمد لكن يبقى أنه فساد.

فهل هذه الحكومة بما فعلته وتفعله بالاقتصاد المصري يمكنها أن تعبر بنا إلى بر الأمان، أم أنها يجب أن تتحمل مسؤولياتها وتعلن فشلها في الإدارة؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.