شعار قسم مدونات

يا خيل الله اركبي

Turkish soldiers ride their horses during the commemoration of the Battle of Gallipoli in front of the Turkish Mehmetcik Monument in Gallipoli, Turkey, 24 April 2015. The Anzac day ceremonies in Gallipoli remember those who died in the 1915 Anzac landings of World War I.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله مِن صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهن؟ قال: حب الدنيا، وكراهية الموت.
 

إن الناظر لحال أمتنا منذ مئة عام على الأقل وحتى الآن يعلم أن ما يحدث لها من ضعف وتفكك هو مصداق لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 

فنحن الآن كثرة تشكل تقريبا ربع سكان الأرض ولكننا مستضعفون لا حول لنا ولا قوة فلا دور لنا على الصعيد السياسي ولا الاقتصادي ولا العلمي ولا على أي صعيد هام، سوى أن بعض دول هذه الأمة تتصدر باقي الدول بمؤشرات الفساد وانعدام حرية الصحافة والرأي وفي نسب انتشار الأمية.
 

وبالعودة الى حديث الشريف نعرف أن المشكلة ليست في باقي الأمم التي تحاربنا وتريد أن تسود علينا ولكن المشكلة الحقيقية تكمن فينا بالمقام الأول كشعوب إسلامية. فلماذا نلوم المحتل على احتلاله وعدوانه علينا ونحن من يجب أن يقع عليه اللوم والعتب والتقصير لأننا طوال السنين الماضية لم نستعد ولم نحضر لهذا العدو لنتمكن من هزيمته وصد عدوانه.
 

وقد يقول قائل إن هذا الحديث هو جلد للذات ونحن نواجه قوى مستكبرة في الأرض تملك أسلحة نووية وتدميرية هائلة.
 

أمتنا ليست أمة ولدت على حين غفلة من الزمان بل لها ماضٍ عريق، ومنطقتنا أرض الرسالات السماوية

صحيح أننا نواجه هذه القوى وهي قوى لا يُستخف بها أبدا ولكننا كعالم إسلامي وكشعوب ودول إسلامية نمتلك طاقات جبارة. فماذا أعددنا على مدار السنوات الماضية وحتى الآن لهذه المواجهة؟
 

لنلق نظرة خاطفة على ما تمتلكه هذه الأمة من مقدرات:

1- الموقع الجيوسياسي الاستراتيجي الهام في قلب العالم بالإضافة إلى الإشراف على أهم الممرات والمضائق المائية في العالم.

2- الحجم الهائل من الثروات الاقتصادية كالنفط والغاز والماء والثروات المعدنية والأراضي القابلة للزراعة وغيرها الكثير.

3- التعداد السكاني الضخم الذي يمثل تقريبا ربع سكان الأرض وهو بمعظمه من الفئة القادرة على الإنتاج و العطاء، أي من الشباب فمعدل الشباب لدينا هو الأكبر على مستوى العالم.

4- الإرث الحضاري الضخم فأمتنا ليست أمة ولدت على حين غفلة من الزمان بل لها ماضٍ عريق ومنطقتنا أرض الرسالات السماوية وأرض حضارات ودول سادت العالم في السابق.

5- التنوع السكاني الضخم من أعراق وديانات أخرى تعيش في هذه الأمة ولو استُغل هذا الجانب بشكل صحيح كما في سابق التاريخ فإن هذا لن يكون مدعاة لحروب أهلية وعرقية وطائفية بل سيكون إضافة إيجابية كبيرة لهذه الأمة وإثراءً لها في جميع المجالات.
 

هذا غيض من فيض مما تمتلكه هذه الأمة من إمكانيات كبيرة اقتصادية كانت أو بشرية. وقد يقال إن الحديث عن الأمة الإسلامية ضرب من أحاديث الماضي والخيال وتختلط به الكثير من العواطف والوجدانيات والبكاء على الأطلال وأن الواقع شيء مغاير تماماً.
 
في بضع سنين تحولت تركيا من دولة تابعة للغرب إلى دولة لها ثقلها الإقليمي وتستطيع إفشال المؤامرات التي تحاك ضدها

نعم في الوقت الحالي يصعب تحقيق اتحاد أو ما شابهه بين دول الأمة الإسلامية، ولكننا حتى لو تكلمنا من منظور الدول القطرية فإن الكثير من بلدان هذه الأمة يشتمل على هذه المقومات التي ذكرتها مما يصنع منه بلداً قادرا على النهضة بنفسه وعدم الرضوخ لما تفرضه عليه القوى الكبرى في العالم لا بل مقارعتها مستقبلا، ولنا في تركيا خير مثال.
 

ففي بضع سنين تحولت تركيا من دولة تابعة تبعية خالصة للغرب إلى دولة لها ثقلها الإقليمي وتستطيع إفشال المؤامرات التي تحاك ضدها وتحولت أيضاً تركيا من دولة متأخرةٍ اقتصادياً إلى دولة ضمن العشرين قوةً اقتصادية الأكبر في العالم.
 

وإن طبق النموذج التركي في بلداننا الإسلامية الأخرى مع مراعاة كل بلد وطبيعته الاجتماعية والاقتصادية، فقد نحصل في المستقبل على نهضة في دول العالم الإسلامي تشبه النهضة التركية وعندها مع انتشار ثقافة حرية اختيار الحكام بين شعوبنا فإنه سيصل للسلطة حكام يريدون تحقيق مصالح هذه الشعوب وأهدافها.
 

ولعله من أهم مصالح هذه الشعوب وأهدافها وحدة اقتصادية وحرية للتنقل بين هذه الدول وغيرها من الجوانب الإيجابية لاتحادٍ إسلامي يُبقي لكل دولة سيادتها وحقوقها ويحقق مصالح السكان الموجودين ضمن هذا الاتحاد.
 

وهذا الشيء ليس بالمستحيل ويمكن تحقيقه في المستقبل، فقد شاهدنا كيف حققت دول أوروبا هذا الاتحاد بينها اقتصادياً ودينياً أيضاً. ومن ينكر أن هناك اتحادا دينياً (وان لم يكن معلناً) فلينظر لتعنت هذا الاتحاد إزاء انضمام تركيا إليه ورفضه لهذا الأمر جملةً وتفصيلا.
 

وهذا الاتحاد أتى بعد حربيين عالميتين في أوروبا أتتا على الأخضر واليابس فيها. وقد سبق هذا صراعات دينية وعرقية استمرت مئات السنين بين دول أوروبا .
حان الوقت لهذه الأمة لتنهض من سباتها العميق وقد حان الوقت لهذه الشعوب المستضعفة أن تنهض على جلاديها

ونحن كشعوب مسلمة لم يكن بيننا مثل هذه الصراعات في السابق سوى التي يختلقها الحكام بين بعضهم ويطبقونها على الشعوب.

ما يجمع هذه الشعوب الإسلامية هو أكثر بكثير مما يفرقها، فعلى سبيل المثال ما يجمع الإنسان الإندونيسي بالإنسان الليبي أو المغربي هو أكبر بكثير مما يجمع  الكرواتي بالفرنسي أو الإنكليزي. ففي الجالة الأولى وحدة روحية معنوية وفي الثانية وحدة مادية قائمة على المصلحة فقط.
 

والطريق لتحقيق مثل هذا الاتحاد الإسلامي يحتاج لعملٍ كبير وصبر طويل. فلقد حان الوقت لهذه الأمة لتنهض من سباتها العميق وقد حان الوقت لهذه الشعوب المستضعفة أن تنهض على جلاديها وتأخذ حقوقها المغتصبة وقد حان الوقت لخيل الله في أمتنا أن تركب وتعود للسير في ركب الحضارة والتقدم.
 

فيا خيل الله اركبي ثورة تزيل الطغيان وأهله وتحرر الأمة من نير الظالمين. وياخيل الله اركبي ثورة على النفس جهاداً ونهضةً لها إلى المعالي. قال تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
 

وياخيل الله اركبي ثورات معرفية وعلمية يقودها شباب الأمة فهم زهورها التي إن تفتحت أذنت بقدوم الربيع.
 

وياخيل الله اركبي ثورات في مختلف المجالات تعيد للأمة مكانتها كخير أمة أخرجت للناس.

وياخيل الله اركبي لأنه قد آن الأوان أن تركبي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.