شعار قسم مدونات

تنامي ظاهرة القتل في السويد

Two policemen stand outside a mosque in Uppsala, Sweden, 02 January 2015. Police have tightened security around some of Sweden's main mosques, after the mosque suffered a firebomb attack a day earlier, one of three arson attacks targeting the muslim community in Sweden since Christmas Day. EPA/ANDERS WIKLUND SWEDEN OUT

تنامي ظاهرة القتل في مالمو بالسويد أين الخلل؟
"اليوم مقتل ابني وغدا ربما ابنك!" هذا ما قاله نجم عبيد والد المراهق الذي قتل برصاصة طائشة في رأسه يوم الخميس الماضي في حي روسنجورد بمدينة مالمو في السويد، إنذارا وتعبيرا عن حرقته وتألمه وعن فظاعة المخاطر الأمنية المحدقة في مدينة مالمو.

فقد باتت حادثة مقتل المراهق أحمد عبيد حديث الساعة في جميع المحافل الإعلامية والسمرات العائلية، مبدين عن مخاوفهم على حياتهم وحياة أطفالهم في هذا الظرف الأمني الحالك، حيث تشكل ظاهرة القتل في صفوف الشباب والمراهقين تحديا أمنيا مقلقا لأهالي مالمو وخصوصا القاطنين في أحياء روسنجورد وسفيلوند ذات الأغلبية السكانية المسلمة، كما أربكت هذه الحوادث المتكررة جهاز الشرطة، الذي لم يفلح بعد الحد من هذه الحوادث وإيجاد حلول وقائية وإجراءات رادعة لها تبعث الاطمئنان.
 

الفشل الدراسي لدى أبناء الجالية المسلمة في السويد أحد العوامل المؤدية إلى انحراف الأحداث، فالشاب عندما يفشل دراسيا سيصاب حتما بإحباط شديد وبالتالي يبحث عن أناس على شاكلته.

إن تنامي ظاهرة القتل بشكل ملفت ومثير للاهتمام في مدينة مالمو السويدية يعكر صفو العيش ويخلق هلعا فظيعا، وقلقا متزايدا في نفوس سكان هذه المدينة، ففي أقل من أسبوعين من انتهاء عام 2016 بأحداثه الأليمة وأجوائه الكئيبة في جنوب السويد حيث وصلت حالات القتل خلال هذا العام 25 حالة أغلبها تصفيات بينية في صفوف المراهقين الذين وقعوا في شراك العصابات العابثة والتي تتاجر في المخدرات، حتى سجلت هذا الأسبوع حلقة جديدة من مسلسل القتل، حيث عثر في حي روسنجورد على مصرع مراهق "16 عاما" أصابته رصاصة طائشة في صدغه وهو عائد من مدرسته إلى منزله..

لم يُعرف بعد مخرجي هذه الحلقة المشؤومة، وجهاز الشرطة كعادته يأتي إلى مكان الحادث ليدون ملاحظاته غير المجدية، في قلب الحادث أم مفجوعة تبكي و"تولول"، حيث لم يدر بخلدها أن رضيعها الذي لم تطأ قدماه يوما ما على تراب بغداد سيموت اليوم برصاصة لم تعد تذكر أزيزها من أمد بعيد، فربما نزحت إلى السويد بحثا عن ملاذ آمن، وفرارا من ويلات الحرب، وهروبا من سماع أصوات الرشاش والطلقات النارية هناك، وكأن لسان حالها يقول "يا ويلي أيموت طفلي رميا بالرصاص وأنا في السويد التي طالما تغنينا بوداعة أمنها".
 

فما أكثر الأمهات الثكلى اللاتي ثكلن فلذات أكبادهن في المنفى، ففي الدانمرك أم صومالية ثكلت ابنيها على التوالي بأيدي عصابات مجرمة، حيث قتلوا ابنها الأكبر ثم قتلوا الابن الأصغر بعده بسنوات خشية من أن ينتقم لأخيه. لا يمكنني أن أسرد لكم في هذا المقال الموجز القصص المؤلمة التي تحدث هنا وهناك فمساحة المقال لا تسع لذلك، ولكن هذا غيض من فيض من الرزايا التي ألمت بالجالية المسلمة في المنفى، حيث يعيشون في كل مكان بأوضاع متشابهة ففي كندا مثلا سمعنا أن عدد الشباب الذين لقو مصرعهم ضمن هذه التصفيات يفوق ستين حالة، وكلهم مسلمون أو صوماليون، مع الأسف. فأين الخلل وأين مكمن المشكلة يا ترى؟
 

في هذه السطور أود أن أقدم لكم لمحة عن أسباب تنامي ظاهرة القتل علما بأن هذا الموضوع شائك ويحتاج إلى عقد وإجراء دراسات علمية مستفيضة لتشخيص الموضوع وتوصيف علاج ناجع لها، وإليكم أبرز الأسباب:
 

أولا: التفكك الأسري: أدى التفكك الأسري الذي كسح الأسرة المسلمة إلى فشل متراكم أورث الجالية إخفاقات عديدة في ميادين الحياة المجتمعية في السويد وضياع أجيال برمته، فالأسرة هي نواة المجتمع وإذا ما تفككت الأسرة سيضعف المجتمع، ويجعله عاجزا عن أداء رسالته الاجتماعية. ومن أسباب التفكك الأسري الخلافات الأسرية التي تنشب في الاقتصاد الأسري، ومنها ضعف الوازع الديني، وسوء استخدام مفهوم الحرية داخل الأسرة، القوامة المسلوبة التي تفهم تطبيقها في خارج إطار المجتمعات غير المسلمة، التأثيرات البيئية السلبية التي تحتاج إلى حكمة وحنكة في التعامل معها.
 

ثانيا: تمركز الجالية في منطقة واحدة: رغم هذا التفكك والنسيج الهش يؤدي إلى زيادة الفشل، حيث بتمركزهم يخلقون مجتمعا متفككا، وهذا المجتمع بطبيعة الحال يتبادل الخبرات المربية السالبة فيما بينه مما يخلق تكتلات فاشلة، فالتفكك الأسري يعيق النجاح الأسري في تربية الأجيال، فالأم الوحيدة لا تستطيع أن تقود مسيرة الأسرة لوحدها فاليد الواحدة لا يمكن أن تصفق، وهذا هو الحاصل، حيث أغلب الأسر مقصوفة الجناحين، والضحية هم الأبناء الذين خر عليه السقف من فوقهم.
 

ثالثا: الفشل الدراسي: يعد الفشل الدراسي لدى أبناء الجالية المسلمة في السويد أحد العوامل المؤدية إلى انحراف الأحداث، فالشاب عندما يفشل دراسيا سيصاب حتما بإحباط شديد وبالتالي يبحث عن أناس على شاكلته، فالطيور على أشكالها تقع. فالفشل الدراسي هو أكبر تحد يواجه الجالية، أما الأسباب التي تؤدي إلى الفشل الدراسي فكثيرة، منها ضعف التعاوني المدرسي بين أولياء الأمور وبين المدارس، ومنها ضعف الوعي الأسري بأهمية السنوات الأولى للتلاميذ في المدرسة، حيث تشكو المدارس من الأسرة ومن عدم تجاوبها مع إدارة المدرسة، فأحيانا كثيرة تعقد المدارس اجتماعات لأولياء الأمور لمناقشة قضايا مدرسية ذات علاقة في تحسين الأداء المدرسي لدى التلاميذ، لكن مع الأسف قليل من يحضر مثل هذه الاجتماعات..
 

المراهق السويدي الذي ينحدر من عائلة "عالة" تعيش على الضمان الاجتماعي يعيش دائما في وضع اقتصادي شحيح لا يلبي احتياجاته المالية، وبالتالي يكون أكثر عرضة للانحراف السلوكي.

في المقابل هناك سبب آخر قد يكون أحد العوامل المؤدية إلى الفشل الدراسي، حيث يوجه أصابع الاتهام إلى المدارس نفسها، وخصوصا المدارس التي تقع في المناطق التي غالبية سكانها أجانب، حيث المستوى التعليمي متدن مقارنة بالمناطق التي يسكن فيها السويديون، ويكمن القول بأن هذا الانطباع تبرير لا يستند إلى دليل واضح، كما يمكننا القول بأن لهذا الادعاء أساس من الصحة، وله علاقة وطيدة مع فوبيا الأجانب التي يطبقها البعض بطريقة غير مباشرة في تعاملهم مع الأجانب ومع المسلمين.
 

رابعا: الفقر والبطالة: وقلة ذات اليد، ولعكم تستغربون من ذكري للفقر في معرض حديثي عن بلد من أرقى بلدان العالم رفاهية ألا وهو السويد، لكن الحقيقة التي لا يتناطح فيها كبشان أن الفقر شأنه نسبي، فالمواطن السويدي الذي يعيش دون المستوى الاعتيادي لدى المجتمع السويدي يعد فقيرا في السويد، وهذا بشهادة السويديين أنفسهم، في حين أن الفقير السويدي قد يكون غنيا في منظور المواطنين بالدول الفقيرة.

وبالتالي نجد أن المراهق السويدي الذي ينحدر من عائلة "عالة" تعيش على الضمان الاجتماعي يعيش دائما في وضع اقتصادي شحيح لا يلبي احتياجاته المالية، وبالتالي يكون أكثر عرضة للانحراف السلوكي، حيث يسهل عليه الانخراط في العصابات التي تتاجر في المخدرات، وذلك كي يحصل على المال الذي يشبع حاجاته الفردية، فالمراهق يريد دائما أن يواكب العالم بعولمته، ويريد أن يشتري آخر موضة من الملابس والهواتف والأحذية، فأنى له ذلك في ظل أسرة ذات مدخول منخفض جدا، ولدي قصص واقعية كثيرة حول هذه المواقف. أما الأسباب التي تؤدي إلى البطالة فمنها ضعف الاندماج الإيجابي للمجتمع، وضعف اللغة والتعليم لدى أولياء الأمور مما جعلهم يكتفون بالضمان الاجتماعي كرافد مالي لهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.