شعار قسم مدونات

المسلسل الديمقراطي المغربي و"المخرج العقبري"

blogs- بنكيران

يحكي القائد العسكري فرانك كوخ قصته ويقول: كانت سفينتان حربيتان مبحرتين في مناورة تدريبية وسط جو عاصف استمر عدة أيام، وكنت أقوم بأعمال المراقبة على متن سفينة القيادة، وعند هبوط الليل، كانت الرؤية متدنية مع ضباب متقطع يغطي المنطقة، مما حدا بالقبطان إلى البقاء على الجسر لمراقبة جميع النشاطات، وبعد حلول الظلام بوقت قصير أبلغ المراقب الموجود على جناح الجسر بأن هناك أضواء تشع من جانب القوس الأيمن، فسأل القبطان: هل هي ثابتة أم تتحرك؟ فرد الملاحظ: ثابتة أيها القبطان، مما يعني أننا نسير في خط اصطدام مع تلك السفينة.

 

عند ذلك خاطب القبطان مأمور الإشارة: أرسل إشارة إلى تلك السفينة: نحن في مسار اصطدام، ونقترح أن تغيروا خط سيركم بمقدار 20 درجة. فجاء الرد بإشارة تقول: من الأفضل أن تغيروا أنتم خط سيركم بمقدار 20 درجة. فقال القبطان: أرسل لهم: أنا قبطان وآمرك أن تغير مسارك 20 درجة. فجاء الرد: وأنا بحار من الدرجة الثانية، أقول من الأفضل لكم أنتم أن تغيروا مساركم 20 درجة. عندها انفجر غضب القبطان وصرخ قائلاً: أرسل: هذه مدمرة حربية، غير مسارك 20 درجة فورا، فجاء الرد بالإشارة الضوئية: أنا لست سفينة، أنا منارة. انتهى الكلام!

تلعب "القوة الخفية القاهرة" حاليا آخر أوراقها متمثلة في "البلوكاج"، وإعاقة عملية تشكيل الحكومة من الحزب الذي بوأه الشعب المرتبة الأولى، وذلك بتنفيذ خطة مكشوفة تهدف إلى منع الاحزاب "المتحكم فيها" من التحالف مع الحزب الفائز.

في مقالاتنا السابقة كنا قد تتبعنا بلادة الاستبداد من المشرق إلى المغرب، وما تجلبه على شعوبها من ويلات وبلاء، وكذا ما تجره على أصحابها من سخرية ومقت واستهزاء.. كما أكدنا ان "التجربة المغربية على كف عفريت"، وأن الجيل الجديد من "المتحكمين" ساروا على خطى اسلافهم، ولم يستحضروا – لغبائهم – أن ما كان ينجح مع الجيل السابق لم يعد مجديا مع الجيل الجديد، والدليل أنهم قد وضعوا كل ما استطاعوا من حواجز مانعة من "الاكتساح"، وأضافوا "لمساتهم": بدءا بتخفيض العتبة، مرورا بحملات تبخيس إنجازات الحكومة "الملتحية"، إضافة إلى نشر الفضائح الأخلاقية للمقربين منها، وصولا إلى تنظيم مسيرة "مجهولة" لقيطة "ضد الأخونة"! كانت "فضيحة بجلاجل"، وذلك كله من أجل تجريد الإسلاميين من شعبيتهم المتزايدة أو الحد منها، ولكن ذلك كله أتى بنتائج عكسية، حيث استطاع "المصباح" اختراق كل الموانع بنجاح، بل قد دفعته أساليب "التحجيم" والتقزيم إلى الاقتراب أكثر من خط "الاكتساح"! ولم ينفع معه "مكر" او دهاء..!

ولكنهم لم يستسلموا بعد، إذ تلعب "القوة الخفية القاهرة" حاليا آخر أوراقها متمثلة في "البلوكاج"، وإعاقة عملية تشكيل الحكومة من الحزب الذي بوأه الشعب المرتبة الأولى، وذلك بتنفيذ خطة مكشوفة تهدف إلى منع الاحزاب "المتحكم فيها" من التحالف مع الحزب الفائز، مما يضطره إلى الاستسلام وإعلان "فشله" وتسليم المفاتيح لملك البلاد، ويعود لبيته وهو يجر أذيال الخيبة، ليفسح المجال حينها لرئيس حزب مدلل او زميله ليفعل ذلك في رمشه عين أو بين ليلة وضحاها على اقصى تقدير! 

ها نحن قد دخلنا الشهر الرابع من الانتظار الطويل، وها هي المحاولة "الانقلابية" على نتائج الانتخابات التشريعية التي تم تدبيرها "سرا" يوم 8 أكتوبر من السيد الياس العماري، تم تكرارها "جهرا" يوم 8 يناير بتعديل بسيط، إذ أصبح القائد الجديد للمحاولة هو السيد عبد العزيز اخنوش، الذي "أنزل" على راس حزبه ذات يوم بعد مرور الانتخابات التي لم يخض غمارها قط، وها هو يمسك بزمام "العرقلة" وينفذ خطة المرحلة!

شيء من الكلام:

أثناء الحملة الانتخابية قال السيد بنكيران لجمهوره العريض: الحرب مازالت مستمرة علينا.. إنهم لا يستهدفوننا نحن… بل أنتم.. لكيلا يستطيع أحد قول: اللهم إن هذا منكر.. "ما يبقى حتى واحد يقدر يهز الراس يوليو المواطنين مخلوعين.. كيشوفوا الاموال تنهب.. والفساد ينتشر ومايقدروش يتكلموا داكشي علاش استُهدف العدالة والتنمية منذ 2003 إلى اليوم.. وياللعجب مايزال مستهدفا وهو يرأس الحكومة"!
 

كلا من الشعب والنخبة يفرقون بشكل لا ريب فيه بين "الملك المحبوب"، وبين بعض المقربين الراعين لمصالحهم وامتيازاتهم ونفوذهم، واستغلالهم لذلك "القرب" بعيدا عن مصالح الوطن والمواطن..

وبعد ثلاثة أشهر من عرقلة تشكيل الحكومة خرج السيد رئيس الحكومة قائلا: منذ نتائج الانتخابات التي بوأت حزبنا المرتبة الأولى وخصومنا يحاولون بكافة الوسائل إفساد هذا الانتصار الكبير ويجعلوه بطعم الهزيمة.. "الناس اللي وراء هادشي مايمكنش مايكونوش ماواعيينش بهاد الشي ماشي معقول.. واش حنا ماشي مغاربة ولا اشنو نكونو؟! واش عندنا المنبوذين في هاد البلاد ولا كيفاش؟!، هل نؤدي الضريبة لاننا نجحنا؟! … علاش؟ ..شنو شدو علينا ؟ نظافة اليد! ..أو تجاوب المواطنين معنا في التجمعات ديالنا! ..واخليونا الله يجازيكم بخير .." ثم لخص كلامه قائلا: لقد أعطانا الشعب ثقته، فما بال القوم لا يتجاوبون مع إرادة الشعب.."هادي الإخوان معركة.. معركة".. انتهى الكلام!

قال رئيس الحزب الليبرالي المغربي في حوار جريء مع أسبوعية الأيام: سيدنا نصره الله تناول طعام العشاء مع اخنوش فأصبح هذا الاخير يظن نفسه هو الملك …!! "هو اللي غادي يسيرنا؟ هذه مستحيل ايها المغاربة..مانقبلوهاش"… انتهى الكلام ! بعد خطاب ملكي سام لامس وجدان الشعب ضد تجاوزات الإدارة قالت امرأة وهي تمسح دموعها: " لهلا يخطي علينا محمد السادس.. لو ما كانش الملك كون كالونا".. انتهى الكلام !

خلاصة الكلام: أن كلا من الشعب والنخبة يفرقون بشكل لا ريب فيه بين "الملك المحبوب"، وبين بعض المقربين الراعين لمصالحهم وامتيازاتهم ونفوذهم، واستغلالهم لذلك "القرب" بعيدا عن مصالح الوطن والمواطن..

عقبرية المخرج:

يبدو ان "مخرج" هذا المسلسل الذي نتابعه حلقاته "المرتبكة" على الهواء مباشرة، ينتمي إلى حقبة "كلاسيكية" تجاوزها الزمن، وإنْ كان لا بد لكل "مخرج" من مهارات "فنية" تمكنه من حسن "إدارة الممثلين"، ليصلوا إلى مستوى "الأداء المقنع"، وتقديم "فرجة ممتعة" للمشاهد، فإنّ هذا الأخير بدأ يشعر ب"الملل" بسبب غياب "الحبكة" الضرورية لجذب انتباهه، والأنكى من ذلك حرص هذا المخرج "العقبري" على استبعاد "نجم" "محبوب للجماهير"، وإصراره العجيب الغريب على تغييره وإسناد دور "البطولة" ل"ممثل" مقرب، وإن كان غير مرغوب فيه "جماهيريا"، بل إن "أداءه" المرتبك يتسم ب"الرداءة" التي تذكرنا ببعض "السيتكومات" المسلوقة على عجل لبثها في الشهر الفضيل في احدى القنوات الوطنية!!

 

وهو ما يخلف "احباطا" -يبدو مقصودا-واستياء لدى المشاهدين! ويحرمهم من "الفرجة" والاستمتاع بأداء "ممثلهم المفضل"! حيث تتحكم "معايير" بعيدة كل البعد عن الشفافية والنزاهة والمصداقية، وعن مراعاة "رغبة الجمهور" التي يُضرب بها عرض الحائط في سبيل ترسيخ إرادة "المخرج العقبري"! وما قد يجهله القائمون على إعداد هذا "المسلسل الجديد" هو ان المشاهدين الذين يتمتعون بمستوى عال وراق من التذوق الفني بدأوا يتساءلون فعلا عن "حرفية" هذا "المبدع" وفريقه الذي يؤثث المشهد، سواء من "الشخصيات" التي تتحرك على المسرح، أو التي تعمل خلف "الكواليس"! ولعله قد آن اوان التغيير ..

وأخيرا: يعرف أينشتاين الغباء بأنه اعتماد المقدمات نفسها في كل مرة، مع انتظار نتائج مختلفة! وعود على بدء نصوغ حكاية السفينة والمنارة، برواية نكتة مغربية تقول: خرج رجل ليلا فطلع له قط اسود فقال الرجل: "تصب"، فرد القط: "ويلا ماتصبش"؟ فقال الرجل: "نتصب أنا"!!

ملحوظة: كل من قرأ وصف "عقبري" كعبقري فليعد قراءته، فهو وصف جديد ينطبق فقط عليهم! 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.