شعار قسم مدونات

أعمل في غير تخصصي!

blogs - tired work
ثمانون بالمئة من الناس يعملون في غير تخصصاتهم بحسب إحدى الإحصائيات! لنا أن نتخيّل إذن حجم الطاقات المهدورة خلال الفترة الجامعية الأولى (البكالوريوس) حيث يقضي الطالب قرابة أربعة أعوام يقرأ ويبحث ويتلقى المحاضرات في مجالٍ ما ، ليذهب ويعمل في مجالٍ آخر بعد التخرُّج.

لماذا؟ وأين الخلل بالضبط؟ بدايةً لا بد لنا أن نعترف بأنَّ الموجه الحقيقي لاختيار التخصص في مجتمعاتنا العربية ليس رغبات الشخص أو قدراته أو ميوله أو طبيعة شخصيته، إنما الموجه -للأسف- رغبة الوالدين أو الأقارب أو نصيحة من صديق أو ثقافة مجتمعية سائدة تقول بأن الطبيب والمهندس هم أسياد العالم وأرقى طبقات المجتمع، والباقي موظفون عاديون مسحوقون لا سبيل لهم للتميز ولا للإبداع.

هل أصحاب الثروات الطائلة أو المشاريع الناجحة أو قيادات الرأي في المجتمعات أو المؤثرون كانوا أطباءً ومهندسين فقط؟! إذن أين ذهب الإعلاميون الكبار والاقتصاديون ورجال القانون والرياضيون والتربويون إلخ.. هل فكرنا يوماً قبل أن نجبر أبناءنا على تخصص ما بتلك المقولة الشهيرة "اعمل ما تحب حتى تحب ما تعمل" ؟!

هل فكرنا يوماً قبل أن نجبر أبناءنا على تخصص ما بتلك المقولة الشهيرة "اعمل ما تحب حتى تحب ما تعمل" ؟!

إذا أردنا لأبنائنا وطلابنا التميّز والريادة فعلينا أن نتوجه إلى "الإرشاد المهني" لهم بأعمار مبكرة، ونأخذ بأيديهم لاكتشاف ذواتهم ومعرفة ميولهم وقدراتهم ورغباتهم، وبناءً عليه يختارون تخصصاتهم فلا يضطرون إلى تغييرها بعد حين، بل على العكس يزداد شغفهم لاستكمال الدراسات العليا، ويتركون بصمةً في مجالهم، لأنهم ببساطة مستمتعون بما يؤدون.

ومن ناحية أخرى ، قد لا يكون الدافع للعمل في تخصص مختلف عن مجال الدراسة هو ما ذكرناه سابقا، بل قد يكون الشخص قد درس التخصص الذي يحب وبما يتناسب مع شخصيته ومهاراته و قدراته، ولكنه لم يجد فرصة العمل المناسبة، وهنا لا بد لنا من ذكر طرفين قادرين على حل المشكلة: الطرف الأول وهو الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني.. حيث لابدَّ لهذه الجهات أن تعمل على تشغيل الشباب وتوفير فرص العمل المناسبة لهم، وفق خطط وآليات واضحة وممنهجة ومراقبة من قبل المواطنين وبمنتهى الشفافية، وأن تكون مثل هذه الخطط والآليات مبنية على مبدأ تكافؤ الفرص وتقديم الأجدر.

أما الطرف الثاني فهو الشخص نفسه.. إذ لابد لنا من التوجه إلى "خلق الفرص" بدلا من البحث عنها، وذلك من الممكن أن يتم من خلال إقامة مشاريع صغيرة والاستفادة من خبرات رجال الأعمال الناجحين في هذا المجال والبحث عن جهات ممكن أن تموّل وتتبنى مثل هذه المشاريع.

وختاما، لا بد لنا كمجتمعات عربية أن نتبنى "الإرشاد المهني" كعلمٍ يُدرّس للآباء والأمهات والمدرسين والتربويين، ليقوموا بمهمة الإرشاد للطلاب بسنٍّ مبكر، وقبل أن يفوتهم الالتحاق بقطار التميّز والشغف. ولابد للحكومات أن تعمل على توفير الفرص الوظيفية المناسبة للشباب بما يتلاءم مع طاقاتهم وقدراتهم وعدم تركهم فريسة البطالة والفقر، لما في ذلك من هدرٍ لطاقاتهم التي من الممكن استثمارها لنهضة المجتمعات. ودمتم بود.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.