شعار قسم مدونات

حوار الطرشان

BLOGS- حوار بغداد

قبل أيام عقدت الحكومة العراقية مؤتمراً بعنوان "حوار بغداد.. الحوار والتعايش وخيارات ما بعد الانتصار على تنظيم داعش"، بحضور مسؤولين وشخصيات سياسية ودينية محلية، ودُعيَ إلى المؤتمر دول جوار العراق الست: تركيا والسعودية وسوريا والأردن وإيران والكويت، بالإضافة إلى مصر ولبنان.
 

المؤتمر حَفِلَ بكلماتٍ رنّانة وشعاراتٍ برّاقة حول نبذ العنف وضرورة التعايش بين أفراد المجتمع العراقي، ألقاها الحاضرون من الطبقة السياسية، والذين يعلمون هم قبل غيرهم أنهم لا يستطيعون ترجمتها على أرض الواقع، فلا يمكن لساسةٍ ساهموا في تغذية الخلاف بين مكونات البلد، القيام بإخماده وهم يعتاشون عليه.
 

كلّ ما قيل في المؤتمر الذي يمكننا تسميته بـ "حوار الطرشان"، سيبقى حبيساً داخل جدران القاعة التي عقد فيها، لأن القائمين عليه كانوا ومازالوا جزءاً من الأزمة المراد حلها.

فمنذ احتلال بغداد عام 2003 وصعود الطبقة السياسية الحالية إلى المشهد وحتى اليوم، اعتمدت في بناء جمهورها على لغةٍ متشنجة تثير الغريزة الطائفية لدى الذي تخاطبه، وكمثالٍ على ذلك؛ هذا رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي لم ينفك يردد في مؤتمراته ولقاءاته: "المعركة بين معسكر الحسين ومعسكر يزيد" وتلك النائبة حنان الفتلاوي لطالما طالبت بأن يكون عدد القتلى من السنّة مساوٍ لعدد قتلى الشيعة، وبهذه اللغة الملغّمة جمعا حولهما جمهور عريض، كما الآخرين.
 

إذاً؛ كيف لهذه الشخصيات والكتل السياسية أن تتنازل عن هذه اللغة، وتستخدم لغة تسامحية غير متشنجة ولا تثير الغريزة الطائفية، وهي تعلم جيداً كيف تنمو وتتسارع الشخصيات أو المشاريع وحتى الأحزاب حديثة التكوين بمجرد أن تختار الخطاب الطائفي البغيض الذي يغذّي الصراع والكراهية؟
 

فهؤلاء -السياسيون- وعدوا المواطن العراقي بكثير من الأشياء التي تتعلق بحاضرٍ ومستقبلٍ أفضل، إلا أنهم لم يُترجموا على أرض الواقع سوى لغتهم الطائفية، الترجمة كانت على شكل سياراتٍ مفخخة وعبوات ناسفة، لم تميّز بين سوقٍ شعبي أو مستشفى أو مسجد أو كنيسة، حتى ملاعب كرة القدم لم تسلَم منها، مخلّفةً أنهاراً من الدماء، وتزداد وتيرة التفجيرات مع كل خلاف يحصل بينهم.

لذلك كلّ ما قيل في المؤتمر الذي يمكننا تسميته بـ "حوار الطرشان"، سيبقى حبيساً داخل جدران القاعة التي عقد فيها، ولا يمكن أن ينتج أثراً إيجابياً على الأرض، لأن القائمين عليه كانوا ومازالوا جزءاً من الأزمة المراد حلها، خصوصاً وأن دعواتٍ تم إرسالها لشخصيات متهمة بسقوط مدينة الموصل بيد تنظيم داعش، لحضور المؤتمر، بحسب رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي والتي أعلنت مقاطعتها له، معتبرةً إياه "مجرد هدر للأموال في ظل أزمة اقتصادية خانقة يمر بها البلد".

رُبَّ سائلٍ يسأل: إذا كانت الأمور بهذه المأساوية والتعقيد، ماذا نحتاج وما البديل؟ وجواباً على ذلك: أولاً: لا ننكر أننا بأمسّ الحاجة إلى مصالحة وطنية حقيقية لا صورية، ونحتاج الى حوارات معمقة من أجل الوصول إلى حلول يمكن أن تساهم في إيقاف نزيف الدم العراقي، وهذا لا يمكن أن تحققه هذه الأطراف لأنها ببساطة لن تقبل بخطواتٍ تُفضي إلى إبعادها عن المشهد كونها ضالعة في الأزمة، لذلك الكرة بملعب الشعب الذي لا خيار أمامه سوى إبعاد هذه الوجوه والمجيء بوجوهٍ جديدة في الانتخابات القادمة التي لا يفصلنا عنها كثير من الوقت.

لطالما اشتكوا أهالي المناطق التي سقطت بيد داعش من الاعتقالات العشوائية والتجاوزات، بالإضافة إلى الحرب، فضلاً عن الإتاوات وغيرها من المسائل التي أكدت منظمات حقوقية وقوعها.

ثانياً: الأموال التي صُرفت على "حوار الطرشان"، كان الأولى صرفها على مؤتمرات ولقاءات و ورش عمل، يكون كبار القادة العسكريين عمادها، وتتم فيها مناقشة حقيقية للأسباب التي أدّت إلى سقوط المدن بيد داعش، وكيفية تلافيها مستقبلاً، نعم كانت هناك أسباباً سياسية أسهمت بسقوطها، لكن هناك أيضاً تجاوزات وأخطاء فاحشة فيما يتعلّق بعلاقة العسكر مع المدنيين، ولا يمكن لمن يريد مناطق آمنة بعد استعادتها من تنظيم داعش أن يغض الطرف عنها.

فأهالي تلك المناطق لطالما اشتكوا من الاعتقالات العشوائية والتجاوزات اللفظية وغير اللفظية من بعض العسكريين، بالإضافة إلى الحرب النفسية التي كانت تُمارَس في بعض نقاط التفتيش الأمنية ضدهم، فضلاً عن الإتاوات وغيرها من المسائل التي أكدت منظمات حقوقية وقوعها.
 

هذه الملفات بحاجة إلى علاج جذري، كونها خلقت هوّة سحيقة بين رجل الأمن والمواطن، وأفضت إلى مدن مدمّرة وجيش منهار وعوائل منكوبة واقتصاد آيل إلى السقوط، وبدون حلّها سيكون سقوط المدن مجدداً أمراً غير مستبعد، رغم أن الجميع لا يريده !

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.