شعار قسم مدونات

تناقضات النفس البشرية

blogs - مرأة أبيض وأسود
من – أشياء – قد – تحدث – لك – دائما…
قد تحدث أمورا كالتي لا تحدث دائما، ولا تتوقع حدوثها بشكل اعتيادي، وإنما بشكل يجعل من تفكيرك شبه مشلول، يضرب أخماسا في أسداس، وأن يصاب بالسكتة، اللامبالاة، أو يغيب الإدراك عن مكانه ليبتعد قليلا ولا تلمحه إلا بعد صفعة قوية الألم… قد يحدث لك أن تدقق في تفاصيلك الصغيرة تحبها مرة، وتباغتها مرة أخرى، تؤلمك تارة، وتفرحك مرة أخرى، وتستجمع تفاصيلك البسيطة ليكتمل الجمال فيها وتستشعر بقوتها وصيرورتها، وقد تشعر بالوهن والضعف لتدور حول نفسك كعاصفة رملية يسودها السواد، يسودها الظلام، لتعيش زوبعة تدور كالدولاب وتشعر بالغثيان والتقيؤ…
وتعيش حربا، دمارا تخرج البركان المنتفض من الجوف الأعمق كشرارة خطر، تشعل جسدك وتأكله فيغيب حدسك، حسك كالمجداف الثابت بالأرض..
 
من – أشياء – قد – تحدث – لك – دائما…
أن تنظر إلى نفسك، لا تعرفها، لا تعرف أي طريق تمشي أو خط رسمته لها، أو حائط تتكئ عليه، تسير بلا ظل، وأمل مفقود، تلتف حول نفسك تعتزل الآخرين، تحاصر أحلامك الجدران وتعيش قصصا من الخيال، ويملأ قلبك البؤس والانكسار تسبب في تفتيتك إلى شظايا، تعيش غفوة حد الثمالة، كل شيء يدعو للبؤس يثير الضجر… لتصفع نفسك على وجهك مرة أخرى لتستيقظ، وتكأكئ قواك وحواسك وتجمع ما تبقى من شظاياك قبل أن تأكلها النيران…

من – أشياء – قد – تحدث – لك – دائما…
أن تحب نفسك كثيرا، وتحب كل من حولك وما يحيط بك، وتعانقها عناق المحبين، وتقبلها تقبيل العاشقين، ويملأ صدرك الحب وشغف الحياة، وتدرك أنه كلما زاد مقدار الحب الذي تبثه، كلما كان الحصاد أكبر، وتكشف سر الحياة بالرضا وأن الحب يجلب الحب، وتفكر بتلك اللحظة التي تجعلك تقود قطارا يحقق حلمك الصغير، الذي لا يعرقل محبة الآخرين، ولا يعرقل سير العالمين، لن يدمر بيوتا، ولن يجعل من الأطفال أيتاما ولا مشردين، لن يختلس كسرة خبز من يد طفل جائع، ولا رجل فقير، ولا امرأة تلجأ إلى الحوانيت، حلما يجعلك تبسط ذراعيك لتحتضن العالم بكل البؤساء والفقراء والمحتاجين، الجوعى والأيتام والمحرومين، لترمي في دروبهم ورودا تفتح أبواب الشمس لأشعتها الملتهبة بالأمل أن تخترقهم، ويستظلوا بظلها وتنقذهم من أسفل السافلين…

أن لا تفهم التناقضات التي تسير عليها النفس البشرية، وأي عراك وصراع فيما بينها، الحق والباطل،  التفاؤل والتشاؤم، تعيش كل ذلك في آن واحد كأن لا بد من أن تعاش.

من – أشياء – قد – تحدث – لك – دائما …
أن تسيء الظن بالآخرين، وأكثرها جرما أن تسيء الظن بنفسك، تبحث عن الثقة المعدومة أو المهزوزة، وتستشعر نفاق الآخرين، وتصدر أحكاما على من يستطيع أو لا يستطيع؟ وتتدخل بشؤونهم وتقرر عنهم مصيرا لست مسؤولا عنه، كأن تختار تخصصا ما، أو عملا ما، أو علاقة ما، وتتدخل لتفسد حياتهم، وتحجبهم من اتخاذ قراراتهم بأنفسهم كما يريدون…

من – أشياء – قد – تحدث – لك – دائما
أن تفضل الابتعاد عن كل المزعجين، المراوغين، تبتعد عن أنصاف المحبين، أنصاف الصادقين، أنصاف الحالمين، أنصاف الموهوبين، تبتعد عن الضائعين والوهميين، ولا تجالس أحدا لا يثير فيك أي متعة لنقاش يستديم، وتبتعد عن نصف الأمل، ونصف الحقيقة، ونصف المتعة، ويحدث أن تنحاز للهدوء وتتجاهل أي عتاب وأنت بأمس الحاجة إليه، وتشعر بالاكتفاء والتصالح الذاتي، فتقلل من محادثاتك، واهتمامك المتذبذب بالآخرين، والابتعاد عن غيبة ودرء من سقطات اللسان أو القال والقيل…
وتكتشف مرة أخرى أن سر السعادة في الحياة هو الرضا.

من – أشياء – قد – تحدث – لك – دائما …
أن تقف عاجزا غير قادر على التحرك، لا تستطيع الهروب إلى أي مكان، لا تجيد فن التفاؤل أو الابتسام، تنظر إلى دقات الساعة التي تسير ببطء شديد، وتسرق منك لهفة النوم، تتلوى بالفراش كالأفعى يمينا وشمالا، ويغزوك وحش الخوف، وتستشعر بأناملك ذكر الله والتسبيح، ثم تختلس غفوة من النوم تتلذذ بها، وتصحو من نومك والسواد فاحم تحت عينيك، كأنهما بئران مظلمان، ينضحان بالتعب والإرهاق الهائل، وتبحث في المرآة عن انعكاس لمعان عينيك ونورهما الذي نفد فلا تجد من شهوة الراحة شيئا…

من – أشياء – قد – تحدث – لك – دائما…
أن لا تفهم ما كتب، ولا تعي كل التناقضات التي تسير عليها النفس البشرية، وأي عراك وصراع فيما بينها، بين الخير والشر، الحق والباطل، الأمل والبؤس، الخيال والواقع، الوهم والحقيقة، التفاؤل والتشاؤم، تعيش كل هذه في آن واحد كأن لا بد من أن تعاش…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.