في السابق، كان أهل الثقافة وأهل المعرفة بالتاريخ، هم من يُستشارون ويَشيرون، وهم الذين بفكرهم وعقلهم تتغير مسارات الحضارات لتتقدم، وحين يوضع أهل الثقافة والتاريخ في الصفوف الخلفية تنهار الأمم. |
حين تقرأ في التاريخ الأندلسي مثلًا، وترى الأسباب التي أدت إلى انهيار هذه الدولة العظيمة، وما حدث من أخلاق حكامها، وخيانات بعض قادتها، وما حدث من اقتناص العدو للحظة المناسبة للانقضاض عليها، فحينها تعتبر، وتحاول "كقائد" أن تغير في دولتك، كي تتجنب ذات المصير، و"كمواطن"، تستطيع أن تعرف القادم. حين تقرأ عن القضية الفلسطينية، تقرأ عن مؤتمر بازل، عن السياحة اليهودية، عن الانتداب، عن النكبة والنكسة، عن القسام وعبد الله التل والحسيني، عن خفايا الحروب وأسرار الخيانات، وحين تمعن النظر في دين الهيكل وأصل احتلال فلسطين، ستعرف كيف تواجه عدوك، ستعرف أساليبه ومكره، ستعرف مكر العرب أنفسهم، ستعرف حينها كيف تنتصر.
في السابق، كان أهل الثقافة وأهل المعرفة بالتاريخ، هم من يُستشارون ويَشيرون، وهم الذين بفكرهم وعقلهم تتغير مسارات الحضارات لتتقدم، وحين يوضع أهل الثقافة والتاريخ في الصفوف الخلفية تنهار الأمم. يقول الدكتور قاسم عبده: " وإذا كانت دراسة التاريخ عبارة عن إعادة قراءة وإعادة تفسير مستمرة، فهي أيضاً تطور تراكمي بمعنى أنها تضيف مزيداً إلى رصيدنا المعرفي باستمرار، إذ إننا حين نرى أسلافنا قد جابهتهـم مشكلات عصرهم لسبب ما، ربما يمكننا تجنب الأسباب المشابهة التي تؤدي إلى خلق مشكلات مشابهة.
إذا أردنا صناعة حضارة ودول قوية، إذا أردنا أن تكون شعاراتنا عن القضايا العربية والوطنية واقعا، فعلينا أن نعلم أبنائنا التاريخ، أن نرضعهم الكتب العتيقة، ونغطيهم عن برد الليل بجلدة كتاب، ونقبل جباههم بالأحداث، يجب أن نشرح لهم التاريخ ونفسره، لا أن نكتفي بذكره وحفظه فقط، "فالتاريخ ليس هو الحوادث، إنما هو تفسير هذه الحوادث" كما يقول سيد قطب. يجب أن تكون مدارسنا أكثر شمولًا في دراسة التاريخ، أن تكون المعلومات التي تقدم للطالب ليست نصًا جاهزًا من صنع صناع القرار في البلد، وإنما يُوجه الطالب نحو مصادر التاريخ الموثوقة، المصادر التي لا تُحرَك بأمر السلطان.
إذا لم نفهم تاريخ أمتنا، إذا لم نتعمق في دراستنا، فلن نتعلم من الأخطاء والكوارث التي حدثت لنا، وحينها سيكون محتومًا علينا أن نعيد ماضينا، ويكون مستقبلنا هو الماضي!
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.