شعار قسم مدونات

وعند الهندوس إعجاز..

blogs - القرآن
مما قرأت البارحة (1)، أن الهنود الهندوس لديهم هوس بالإعجاز العلمي لكتابهم المقدس "فيدا" وتراث "أوليائهم وصالحيهم وعبادهم" فيدعون أن الهندوس القدماء اخترعوا المركبات الفضائية والكهرباء وأطفال الأنابيب، وكانوا سباقين لمبادئ الكوانتم في الفيزياء.. و"الفيدا" مجموعة أشعار بالسنسكريتية القديمة، وهو مليء بالخرافات إلى جانب بعض الحكم -وهذا من تقديري الخاص لأنه لابد أن يحتوي ولو على قدر قليل من الحكمة التي يشترك فيها البشر جميعا-.
 

و تقبل على هذه الإدعاءات طبقة عريضة من المثقفين في المدن على الرغم من التقدم العلمي الموجود في الهند، ويفسر البعض هذه الظاهرة بأن هؤلاء المؤمنين "المثقفين" يبررون خرافات الفيدا العتيقة بتفسيرات "علمية" بسبب الخوف من اللاإيمان. تقول (ناندا): "أعتقد أن الهنود أصبحوا أكثر ميلا إلى العلوم، بالنسبة إلى أي متدين عادي، تكون هذه الشعائر مجرد عقيدة، فهم ليسوا في حاجة إلى تفسيرها. بيد أن هناك طبقة اجتماعية معينة من الأشخاص تتطلع إلى هذه الحاجة لإثبات "صحة عقيدتهم"، فهم يحتاجون بطريقة ما إلى تعبير عقلاني عن سبب اعتقادهم هذا، والأشخاص المتعلمون أكثر شغفا بذلك" (2).
 

سبيل الاهتداء بالآيات القرآنية في إدراك المعارف الكونية، أو سبيل تحصيل المعارف الكونية تحقيقا لمقاصد الشرع والخلق، يهديان إلى إعجاز كتاب الله تعالى للعقل البشري.

فهل يبحث بعض المسلمين عن الإعجاز العلمي لأنهم يشكون في عقيدتهم؟
أعتقد أن قضية العلم في القرآن أصيلة، بمعنى أنها من قضايا القرآن الأساسية، لكن عندما انصرف المسلمون عن البحث العلمي إلى الجدال الفقهي والكلامي والتأمل الصوفي -هنا أفرق بين صوفية العمل والقصد وصوفية الأحوال والفلسفة- أصبحت النصوص الدينية عبئا على العقل "عقل البعض".
 

والجدير بالذكر أن القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهو النور والهدى والذكر الحكيم، غير أن سد باب الاجتهاد، ومعه باب التفكر والسير في الأرض والاعتبار بالمنهجية العلمية البحثية التي تتغيا الحق والحقيقة؛ سد معه بابا عظيما من الفتح القرآني. بمعنى أن القرآن شجرة قطوفها دانية، تريد دائما أن تمد يد عقلك وقلبك لتقطف الثمار، أي كما يؤثر عن أبي بكر -رضي الله عنه- أنه قال: لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في كتاب الله، أو كما قال.
 

فالقضية تكون مقلوبة إذا انطلقنا من الشك لنثبت صدق كتاب الله الذي أنزل بلسان عربي مبين ميسر للذكر. بل يجب الانطلاق من الإيمان أولا، حتى نقبل على كتاب الله بحرية، ونقدمه باعتزاز للعالمين. بهذا نقطف الحقيقة، نعم؛ الحقيقة التي تدل على الحق الذي هو الله عز وجل. فلا يجوز أن نقول دائما للباحث الذي يفني عمره في قضية علمية دقيقة المسالك صعبة المدارك؛ ليكتشف شيئا من خزائن ملك الله عز وجل "هذا مذكور في كتاب الله"، فحينئذ نحن والهندوس سواء.
 

إنما نكون مؤمنين حقا إذا جعلنا الكتاب هاديا ودليلا فكما نجد فيه من المعارف ما سبق غيرنا لاكتشافه، كان يمكن أن نسبق إليه اهتداء بالنص القرآني أو النبوي، أو سياحة عبادية في ملكوت الله مسلحة بالمنهج العلمي في البحث، تسعى في نهاية المطاف إلى تحقيق العمران والاستخلاف في الأرض، وهما غاية خلق بني البشر.
 

فكلا السبيلين: سبيل الاهتداء بالآيات القرآنية في إدراك المعارف الكونية، أو سبيل تحصيل المعارف الكونية تحقيقا لمقاصد الشرع والخلق، يهديان إلى إعجاز كتاب الله تعالى للعقل البشري، بأن يدرك انطلاقا من المحسوس المعقول أن هذا الكتاب من عند الملك القدوس.
 

يقول ابن القيم في مدارج السالكين:
تأمل سطور الكائنات فإنها     ***     من الملك الباري إليك رسائل
وقد خط فيها لو تأملت خطها  ***   ألا كل شيء ما خلا الله باطل
تشير بإثبات الصفات لربها    ***    فصامتها يهدي وما هو قائل

____________________________________
(1)-  كان هذا تفاعلا مع كتاب: أمة من العباقرة لـأنجيلا سايني – عالم المعرفة "مارس 2015"
(2) – ص148 من نفس الكتاب

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.