شعار قسم مدونات

25 يناير وذكرى المتخاذلين

blogs - Egypt Revolution
في عام 1935 دعا حزب الوفد -قائد الأغلبية الجماهيرية- إلى تكوين جبهة وطنية تحمل لواء الوحدة الوطنية وتستعيد روح ثورة 1919 التي كانت بمثابة بداية تكوين الجنين، أعضاء اكتملت لتخرج في النهاية على صورة واحدة كاملة، وهكذا كانت مصر، في أثناء ثورتها والتحام الشعب ببعضه، والأحزاب ببعضها، على قلب رجل واحد وكلمه واحدة، حملها سعد زغلول إلى كل مكان ذهب إليه الوفد المصري للمطالبة بالاستقلال.
 

تحمس بشدة مثقفو مصر وكل الشباب الوطني لتلك الدعوة، داعين إلى عودة الروح المصرية التي سقطت في بئر الأطماع والسلطة والحكم. يمكن أن نقول أنه كان هنالك دافعين لكل الداعمين والمنضمين إلى تلك الجبهة، أولاً من أجل استكمال مسيرة التحرر من الاستعمار والتخلص من تدخلهم السافر في كل شؤون مصر السياسية والنيابية، أما الثاني فكان رغبة من مثقفي وشباب مصر غير المنحاز إلى تيار سياسي من أجل لم الشمل مرة أخرى بعد التشوهات التي مرت بها الحياة السياسة وانعكست على الشعب.

على مدار 13 عام منذ الدستور حتى عام 1935، أسفرت فيها عن خمسة حكومات ديكتاتورية مستبدة، باعت أحلامه وطموحاته، أولها كانت حكومة أحمد زيور باشا، ثم محمد محمود باشا، ثم حكومة إسماعيل صدقي باشا التي ألغت دستور 1923 وأحلت البرلمان أكثر من مرة، وأجبرت سعد زغلول على قبول حكومة ائتلافية برئاسة عدلي يكن باشا، حكومة مصطفى النحاس باشا الائتلافية، وخلال تلك الأعوام لم يتحقق فيها أي وجه من أوجه الانتصار، الذي انتزعه الشعب من المحتل ولكنه أصبح يكافح على جبهتين، جبهة الاحتلال وجبهة أخرى لبناء حياة نيابية سليمة، كل هذا كان يدفع الشعب دفعاً إلى تلك الجبهة، عسى أن تكون بداية الإصلاح والحرية.

قد يكون وجود قائد هو كل ما كان ينقصنا من أجل تحقيق ما حلمنا به، والفرقة التي ضربت وحدتنا هي سبب الانكسارات التي بلينا بها.

لكن في عام 1936 حدث ما أصاب الشعب باليأس من حدوث تغيير. كان العالم حينها يتحضر لخوض حربه العالمية الثانية، وبريطانيا كانت تستعد لمواجهة النازية الألمانية والفاشية الإيطالية، فدعت إلى تفاوض واشترطت أن يضم أحزاب مصر وأبرز الساسة من أجل ضمان سريان الاتفاق أيًا كانت المتغيرات التي يمكن أن تطرأ على الحكم.

فتكونت الجبهة التي كانت قد مهد لها منذ عام وأصبحت جاهزة للتفاوض مع المحتل، وقاد مصطفى النحاس رئيس حزب الوفد تلك الجبهة لما لحزبه من شعبية جارفة، وجلس المتخاصمون من أجل التفاوض، وانتظر الشعب النتيجة، لكنها خرجت كما أن لو عقدت بشأن بلد آخر في زمان آخر. لم تكن جلسة تفاوض، بل كانت جلسة لإقرار معاهدة بين الطرفين لتجميد الجهاد الوطني ضد الإنجليز ريثما تنتهي الحرب، في مقابل بعض المكاسب، كإلغاء الامتيازات وزيادة عدد الجيش.

حزب الوفد الذي تأسس في أوج ثورة 1919، حزب الأغلبية الساحقة بزعامة سعد زغلول لمفاوضة المحتل، أما الجلاء أو الثورة وتكوين جبهة شعبية عريضة تضم كل فئات المجتمع لإعلان الجهاد الوطني . حتى تأتي الحياة بنقائضها، وينشئ الوفد صاحب الأغلبية جبهة عريضة كأسبقها، لكن من أجل مفاوضة الإنجليز في تجميد الجهاد الوطني ضد قواتهم.

بالطبع الحاضر ليس كالماضي، ولا يمكن أن نضعهما في مقارنة، لكن كل ذلك لا يمنعنا من الاعتبار من تلك التجارب القديمة، ونأخذ منها الفائدة، فقديماً أيقن الشعب أن أي جبهة أو أي نظام، لا يشمل فئات المجتمع من فلاحين وعمال وحرفيين …إلخ، ما هو إلا هراء لا يمثل الأمة، وأيقنوا أن كثرة القادة يؤدي إلى الفشل والحراب وضياع الهدف، وأن الأحزاب إن لم تكن تمثل الشعب عن حق فلا داعي لوجودها، فستصبح عبئا على الأمة بعد ذلك.

الأحداث التي عاشتها مصر منذ عام 1919، مروراً بالتبارزات الحزبية والحكومات الديكتاتورية، وفقدان القائد برحيل سعد زغلول، ثم تجميد الكفاح الوطني، وتغول سلطة الملك والإنجليز بعد الحرب العالمية الثانية. كل تلك الأحداث أثرت بشكل كبير في شخصية الشباب المصري، وتلك الفترة التي نشأ بها جمال عبد الناصر، فحين خرج على الناس وجدوا فيه روح القائد المفتقد منذ وقت طويل، أما هو فنشأته وما وجد من الأحزاب دفعه إلى حلها حين تقلد الحكم.

ومع مرور ذكرى 25 يناير، يمكن أن نقول ما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشبه النحاس وأحمد ماهر والساسة وزعماء الأقليات، بالبرادعي وصباحي وأبو الفتوح وغيرهم ممن تخاذلوا، وما أشبه المستبدين محتل أم كان من أبناء الوطن ببعضهم وما أشبه البسطاء المستضعيفن ببعضهم.

قد يكون وجود قائد هو كل ما كان ينقصنا من أجل تحقيق ما حلمنا به، والفرقة التي ضربت وحدتنا هي سبب الانكسارات التي بلينا بها، وقد نرى الخلل جيداً ويمكننا بسهولة أن نضع أيدينا عليه، ولكن أولاً علينا أن نستفيد حتى ولو بقليل، من تلك الأحداث القديمة، عسى أن نجد فيها ما يعيننا على إصلاح ما فسد وإنهاء ما بدأ.
وعلى الله قصد السبيل. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.