شعار قسم مدونات

ميسي ورونالدو يصوغان مستقبلنا!

Argentina's Lionel Messi (L) and Portugal's Cristiano Ronaldo, two of the nominees for the FIFA Ballon d'Or 2015 award, attend a press conference prior to the FIFA Ballon d'Or awarding ceremony at the Kongresshaus in Zurich, Switzerland, 11 January 2016.

نعم هما يفعلان ذلك من حيث لا يدريان، ليس بسبب نجوميتهما الكروية وهيمنتهما على الكرة الذهبية -التي تُمنح لأفضل لاعب بالعالم- طوال عقد من الزمن، إنما بسبب انشغال أبنائنا وشباب أمتنا في أدقِ التفاصيل الخاصة بهما وبنادييهما بشكل يفوق أي دراية علمية أو أدبية أو فكرية، وهو أمر يشي ببعض الملامح التي ستبدو عليه سطحية عقلية فتيان سيتولون قيادة أمتنا وبلداننا في مستقبلها القريب.
 

في عالم عربي منقسم موقف شبابه بشكل حاد حيال الانتماء لناديين إسبانيين ولاعبين أحدهما أرجنتيني والآخر برتغالي، يبدو أننا سنواصل رحلة المعاناة مع عقلية متصلّبة إزاء الأشخاص والأفكار، تلك العقلية التي أفرزت اصطفافاً وتمترساً خلّف قناعات راسخةٍ غير قابلة للمناقشة والنقض، وهو أمر ليس وليد لحظتنا، إنما جاء مُكرِساً حالة متأصلة في أعماق تراث مجتمعات ترى حتمية صوابية قناعات تجد فيها أخرى مجافية للصحة.

في عالم عربي منقسم موقف شبابه بشكل حاد حيال الانتماء لناديين إسبانيين ولاعبين أحدهما أرجنتيني والآخر برتغالي، يبدو أننا سنواصل رحلة المعاناة مع عقلية متصلّبة إزاء الأشخاص والأفكار.

في مجتمع عربي يمثل فيه جيل الشباب زُهاء ثلثي المنتمين إليه، يبدو أننا سنُصدم وسنصطدم مستقبلاً بظاهرتين وتحديين في التعامل مع فتية تركّزت معارف غالبيتهم في شؤون لا تسعفهم في بناء عقلية قادرة على الإنتاج والعطاء من جهة، وأما الثانية، فإنهم جيل يميل غالبيته لتبني وجهة نظر اقصائية للطرف الآخر، بل تنزع للاشتباك معه، وهو أمر يفقده ليونة ومرونة التعامل مع متغيرات الحياة التي قد يكون أحد أبسط نماذجها مثلاً احتمالية انتقال اللاعب الأرجنتيني للنادي الملكي.
 

تلك المقدمات التي أوردتها لا تعني بأنني ضد الرياضة ونجومها، فمن منا لا يرغب ببزوغ نجم رياضي عربي بحجم السباح الأميركي مايكل فيلبس أو العداء الجامايكي أوساين بولت، اللذان جمعا ميداليات تفوق أضعاف تلك التي حصدتها بلداننا طيلة تاريخ مشاركتها بالحدث الأولمبي، ولكنني لست مع إهدار طاقات وأوقات شبابنا في ميادين لم يسلكوا سبلاً كفيلة بتمكينهم من الإبداع فيها أو تحقيق المنجزات من خلالها..

وهنا تحديداً سنعود لاجترار ذات المعضلة التي نعانيها أساساً، فمثلما نفتقر للرياضيين المبدعين ونجد لذلك حلاً بالاستعانة بمدرب ومهاجم هدّاف وحارس مرمى أجنبي نجهل كيفية اختيارهم وأسباب الغاء عقودهم، فإننا لن نجد بأساً أيضاً في شراء منتج ألماني أو ياباني لا نملك سبيلاً لمعرفة كيفية طريقة صناعته، وفي الوقت ذاته سيسنح لنا وقتُ طويلُ لدخول معترك جدل بيزنطي طويل حول أفضلية "مرسيدس" على "تويوتا" والعكس كذلك.
 

لا يعني ما تقدم أنني على تضاد مع ميول شبان ينتمي غالبيتهم لمدن وقرى تفتقر لملاعبٍ ترابية أو رملية تساعدهم على تحويل أحلامهم الرياضية لواقع، لكنني مع وجهة النظر الداعية لضرورة الالتفاتة المبكرة لقدراتهم وتوظيفها بشكل سليم ليتسنى لهم التسلح بالمعرفة والفكر الكفيلان بانتشال مستقبلنا من حالة التردي التي نعيشها، على أن يتماشى ذلك مع جهود موازية ترمي بثقلها لتعزيز ملكاتهم على الحوار والنقد البناء وقبول الآخر بعيداً عن التعصب الأعمى الناتج عن ضآلة وضحالة مستوى التعليم والثقافة.
 

مثلما برع رونالدو وميسي في فئات البراعم والناشئين والشبان ليصبحا نجمين عالميين، فبدورنا لن يكون النجاح حليفنا إن عجزنا عن مجاراة طريقة تدرجهما ومثابرتهما وصولاً لمرحلة النجومية.

ومع اقرارنا بغياب عامل تكافؤ فرص العمل في غالبية بلداننا العربية بسبب محاباة مردها أسساً غير مهنية تسببت في إسناد الأمور لغير أهلها، وهو ما دفع شريحة واسعة من الشبان لإطفاء حرقتهم بالانغماس بالشأن الرياضي أو الترفيهي، غير أن هامش التحرك والتميز يظل رحباً لأصحاب الكفاءة في عالم تبددت حدوده وبات فيه صاحب الذخيرة من العلم والمعرفة قادرا على إثبات جدارته في غير موطنه الذي نبذه ولم يؤمن بقدراته، كما فُعِل بـ"شيخ الأطباء" ابن سينا الذي نُسف مسلسل نجاحه العلمي بذريعة انتمائه الفكري، ولنجعل من ذلك أيضاً فرصة لدحض مقولة ابن خلدون التي ثبت صحتها على مر العصور بأننا "أبعد عن العمران الحضري وما يدعو إليه من الصنائع".
 

غياب تكافؤ الفرص أيضا ليست حكراً على بلادنا فقط وإن كانت تشتهر به، فقد عانى منه كثير من جهابذة الغرب ممن تحدوا واقعهم وتمكنوا من وضع بصمتهم، وليس أدَلَّ على ذلك من توماس إديسون الذي رفضته مدرسته لفرط غبائه، لتكون تلك الحادثة منعطفاً مهماً في مسار البشرية، فبفضل نجاحه بتحدي نفسه ومحيطه تمكنّا من الاستفادة من نحو 1100 اختراعٍ كانت كفيلة بدخول العالم حقبة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
 

أجدد القول بأنني لست ممن يمانع انحياز شبابنا لميسي أو رونالدو ولا حتى للأهلي أو الزمالك في مصر و للفيصلي أو الوحدات بالأردن، لكنني مع عدم الإفراط في ذلك ومع وضع الأمور في نصابها، لا يجدر بنا تسخير جُل وقتنا وطاقاتنا لصالح جوانب لا تسهم في تغيير مسارنا نحو مستقبل أفضل نكون فيه قادرين على درء انحدارنا و خطر اندثارنا وتقديم إضافة لبشرية فاقتنا أركانها بخطوات شاسعة على مستويات الفكر والصناعة وحتى الرياضة، فإن لم نفعل، فحينها لن نكون قادرين على التخلص من حقيقة وسمَنا بها ابن خلدون قبل 6 قرون.
 

مستقبلنا يمكن استشرافه وتحديد عناوينه اليوم، فمثلما برع رونالدو وميسي في فئات البراعم والناشئين والشبان ليصبحا نجمين عالميين، فبدورنا لن يكون النجاح حليفنا إن عجزنا عن مجاراة طريقة تدرجهما ومثابرتهما وصولاً لمرحلة النجومية والتي يمكن أن تكون مرادفاً للفكر والإبداع والصناعة والإنتاجية في مضامير أخرى، وإن لم نقم بذلك فلربما يكون مستقبلنا أكثر ظلمة من حاضرنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.