شعار قسم مدونات

عقدة القائد البطل ورحيل الشخصية الكاريزمية

blogs - شخصية
كانت مشكلة القيادة من بين اهتمامات الإنسان منذ القدم. والتاريخ يحفل بقصص النجاح والفشل لجهود البشر القيادية. ومع أن القيادة ظاهرة اهتم الإنسان بها لفترة تاريخية طويلة، إلا أنها أضحت ذات أهمية بالغة الحيوية والحساسية في عصرنا الحاضر، نظراً لما يشهده من تطورات وتغيرات متسارعة في جميع نواحي الحياة المعاصرة. وتزداد أهمية القيادة في منظمات الأعمال المعاصرة لما تشهده من تحديات ومتطلبات وتغييرات بالإضافة إلى التنافس المحموم، والتزايد المطرد في المشكلات الإدارية والتنظيمية.

أهمية الدور القيادي في منظمات الأعمال
إن مما يشير بوضوح إلى أهمية الدور القيادي في منظمات الأعمال، استبدال القيادات فيها – حينما تواجه الإخفاق والصعوبات – بقيادات أخرى. إضافة إلى تلك الحالات المتكررة التي يشخصها خبراء الإدارة والسلوك التنظيمي بأن هذه المنظمة أو تلك تفتقر إلى القيادة، مما يدل دلالة واضحة على أن نجاحها كان متوقفاً بشكل كبير على دور قادتها في مختلف المستويات.
وبما أن القيادة على هذه الدرجة من الأهمية فإنه يجب على المنظمات أن تفكر في تبني استراتيجيات واضحة تؤهل من خلالها القادة الجدد في جميع المستويات الإدارية وتعد الجيل التالي لتولي مهام القيادة الإدارية فيها.

والعجيب أن مسألة التفكير الجاد في وضع قواعد واستراتيجيات لتأهيل الموظفين لتولي مهام قيادية في المنظمات؛ مسألة لم تحظ بالاهتمام الكافي!! فحتى عهد قريب كان الاعتقاد السائد أن لا ضرورة للتفكير في عملية إعداد قادة جدد ما لم يكن الجيل السابق من القادة قد استنفد دوره تماماً، ووصل إلى سن التقاعد أو أصابه مكروه؛ وهذا أثر من آثار الارتباط بما يسميه البعض بالكاريزما القيادية حيث يقول كين بلانشارد: خبَرت مؤسسات الأعمال ظاهرة القائد اللامع أو القائد البطل الذي يتمتع بمصداقية خارقة للعادة، ويحصل على التأييد الكامل والولاء الأعمى من جانب مرؤوسيه. وذلك في شخصيات قيادية مثل "لي إياكوكا" في كرايزلر، و"ولت ديزني" في ديزني؛ و"إدوين لاند" في بولارويد. فمع مثل هذه المؤسسات يشعر المرؤوسون بانقياد أعمى لشخصياتهم الكاريزمية الطاغية. إلا أن الدراسات القيادية الأخيرة تحذر من تزايد النتائج السلبية للقيادة البطولية وتفضل عليها القيادة المتواضعة.

الموظفون الموهوبون يتعرضون للإغراء والاستقطاب من قبل المنافسين، والمنظمات التي لا تنتبه إلى أهمية وضع سياسات واستراتيجيات ملائمة للتعاقب القيادي ستجد نفسها في مأزق حقيقي.

مخاطر القيادة البطولية
إن مخاطر ما أسماه بلانشارد بالقيادة البطولية يمكن أن نجملها في ثلاثة نقاط مهمة:
أولا: انهيار المؤسسة في حال رحيل القائد البطل: فعندما يترك القائد البطل المؤسسة يسبب فراغاً في القوة Power Vacuum، ولا يمكن لأحد أن يخلفه بسهولة، فتتأثر المؤسسة بشكل كبير وربما تنهار.

ثانياً: ارتفاع توقعات المرؤوسين: حيث ترتفع توقعات المرؤوسين من القائد بدرجة كبيرة ، فيعتمد سير الأمور في الشركة على شخصية القائد البطل، مما يزيد من الضغط النفسي عليه وعلى الآخرين. فإذا رحل يعجز القائد الجديد عن توفير نفس مستوى الجاذبية الشخصية والكاريزما التي اعتاد عليها المرؤوسون من القائد السابق ؛ مما يجعلهم يشككون في مصداقية القائد الجديد وقدرته، وهو ما يؤدي بهم إلى الإحباط وانهيار الروح المعنوية فتضعف إنتاجيتهم ؛ وبذلك تدخل الأمور في دائرة مغلقة تؤدي إلى الانهيار.

ثالثا: غياب المحاسبة والمسؤولية: حيث يرتفع القائد البطل فوق الشبهات ويصبح خارج نطاق المحاسبة. فكل ما يطلبه يعتبر أمراً نافذا يسارع المرؤوسون لتنفيذه حتى ولو كان مخالفا للوائح، بل حتى لو كان خطأ صريحاً.

الحل في تأهيل قادة جدد
من ذلك نعلم أن ثمت مشكلة حقيقية تعترض المنظمات التي لم تفكر في بناء وتأهيل الصف الثاني من القادة ، وهنا نشير الى أن العقم القيادي وغياب الصف الثاني من القيادات البديلة يعتبر أهم المخاطر التي تهدد مستقبل منظمات الأعمال ، مما يعني أن من أهم وأفضل الأعمال القيادية إعداد قيادات الصف الثاني وتزويد المنظومة القيادية بالعناصر الشابة القادرة على حمل أمانة ومسؤولية المستقبل ، ولذلك قيل: إذا كان لدى القائد رغبة في إعداد من يخلفه فقد حقق نصف النجاح، وإذا لم تكن لديه الرغبة فقد حقق نصف الفشل.

إن أمل المستقبل أن تتحول منظمات المجتمع إلى منظمات للتعليم Learning Organization تُؤكَد على أهمية التعليم المستمر في حلقات من التأثير والتفاعل وتواصل الأجيال مما يبرز لنا نوعاً فريداً من القادة يقومون بأدوار المعلمين ويطلق عليهم القادة المعلمين -القائد المعلم.
وينقل كولن، وبوراس، عن جاك ويلش الرئيس السابق لشركة جنرال إليكتريك قوله: "من أهم المسؤوليات الملقاة على عاتقنا التأكد من استمرار وجود قيادة متمكنة، وقد كنا دائماً نكافح كي يكون لدينا مرشحون احتياطيون، وأقمنا برامج تدريبية من أجل القيام بأفضل إعداد لأفضل المرشحين ونحن دائما منفتحون بشأن خطط الخلافة، فنحن نؤمن أن قيمة الاستمرار لا تقدر بثمن".

نقاط قيادية مهمة
الأبحاث والدراسات التي تتحدث عن القيادة وعن تعاقب القادة على وجه التحديد تبرز لنا النقاط التالية:
أولاً: أن عمليات الإحلال القيادي كانت عمليات روتينية على مستوى القيادة الإدارية العليا والوسطى والدنيا، فلم يكن ينظر إليها كفرصة لتنمية وتطوير المواهب الواعدة التي يجب الاحتفاظ بها، ثم تغيَّر هذا الاتجاه كغيره من الممارسات الإدارية، فالموظفون الموهوبون يتعرضون للإغراء والاستقطاب من قبل المنافسين، والمنظمات التي لا تنتبه إلى أهمية وضع سياسات واستراتيجيات ملائمة للتعاقب القيادي ستجد نفسها في مأزق حقيقي، لأنها ستخسر قياداتها السابقة واللاحقة.

ثانياً: أن القيادة قابلة للتعلم، عليه فإنه يمكن بل يجب تعلمها على مختلف المستويات الإدارية في المنظمة، وحيث أن القيادة قابلة للتعلم والتطور والصياغة بما يتناسب مع العصر فهي إذاً صناعة يمكن إعادة اختراعها لإدارة المستقبل مما يعني إمكانية تعليمها وتوريثها للجيل التالي.

ثالثاً: أن النماذج الحديثة في عملية إدارة التعاقب القيادي تتجه نحو مزيد من المنهجية في الربط بين أسلوب تطوير المواهب والكفاءات داخل الشركة، والخطط الاستراتيجية القائمة، وهي تركز على آفاق الموظف وقدراته الواعدة أكثر من مجرد النظر إلى أدائه الحالي فقط. بهذا ندرك مدى أهمية وضرورة تبني استراتيجية فعَّالة للتعاقب القيادي في منظمات الأعمال التي ترغب في الاستمرار على المدى القريب والمدى البعيد

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.