شعار قسم مدونات

معبر رفح.. هل يظل رهينة لأمن سيناء؟

blogs - Palestine man Egypt

يساوم النظام المصري منذ مدة حركة حماس التي تهمين على قطاع غزة للتعاون الأمني الكامل لملاحقة داعش والتنظيمات المتطرفة في القطاع مقابل السماح بفتح معبر رفح الذي يشكل شريان الحياة لنحو مليوني غزي بشكل دائم. ويأتي ذلك في ظل حصار خانق منذ حرب العصف المأكول عام 2014 بدأت الحكومة المصرية مؤخرا في تخفيفه في محاولة لإلقاء الطعم لحماس لكي تستجيب لكامل المطالب المصرية.

 

وبدأت المعضلة الأمنية التي يواجهها النظام في مصر بسيناء تلقي بظلالها الثقيلة على سيطرة هذا النظام على أراضيه بعد أن أصبحت بعض المناطق عصية على قواته في مواجهة تنظيمات متطرفة توقع الخسائر اليومية بقوات النظام المصري الذي يقف عاجزا عن مواجهتها.

 

وعلى هذا الأساس التفت الأمن المصري لحماس طلبا لتعاونها في ملاحقة متطرفي داعش ووضع خلف ظهره الاتهامات -التي لم تكن تستند إلى أي دليل- ضد حماس بالتدخل في الساحة المصرية وتدريب عناصر من الإخوان للإطاحة بنظام العسكر!

 

إذا أرادت مصر الحفاظ على أمنها الإقليمي فعليها أن تجترح وسائل سلمية في التعامل مع تهديدات المتشددين، وقبل ذلك أن تتصالح مع المعارضة وعلى رأسهم الإخوان المسلمين لأن من شأن ذلك أن يكبح جماح التشدد

في الزيارة الأخيرة لوفد قيادي من حماس برئاسة إسماعيل هنية للقاهرة وضعت مصر على الطاولة ثلاثة مطالب لرفع الحصار عن غزة، استجابت حماس لاثنين منها ووعدت بدراسة الثالث، وهو مطلب سبق ورفضته. الأول تشديد الرقابة على الحدود بين غزة ومصر، والثاني منع العناصر المتطرفة من اتخاذ مأوى لها في غزة هربا من ملاحقة السلطات المصرية، والثالث تسليم المطلوبين من داعش والذين أصبحوا بقبضة الأمن في غزة لمصر.

 

سعت حماس لملاحقة العناصر المتشددة في غزة خصوصا أنهم أعلنوا الحرب عليها وباتوا يحرضون في إعلامهم على الحركة وقيادتها ويتهمونهم بالكفر وموالاة الأعداء، كما أنهم رفضوا التقيد بالتهدئة مع إسرائيل والتي التزمت بها كل الفصائل الفلسطينية، الأمر الذي يهدد بإعطاء المبررات للعدو لضرب غزة وربما شن حرب عليها.

 

ولكن اعتقال هؤلاء وملاحقتهم لم يصل إلى حد الاستجابة للمطلب المصري بتسليمهم، إذ إن ذلك ينطوي على خطورة بالغة، وقد يؤدي إلى استعداء هذه التنظيمات واستشراسها ضد حكم حماس وما يخلقه ذلك من تعقيدات أمنية وعواقب وخيمة تجد حماس أنها في غنى عنها.

 

كما أن استجابة حماس للمطلب المصري -إن حصلت- لا يمكن أن تضمن إيفاء مصر بوعودها، إذ إن القاهرة لا يتوقع أن تتخلى عن موقفها السلبي من حكم حماس، وستظل تسعى للإطاحة بها لأنها ستظل عامل إشعاع للإسلام السياسي ليس في مصر لوحدها وإنما في المنطقة العربية بأسرها، كما أن علاقة القاهرة مع العدو الإسرائيلي ستظل تملي عليها موقفا سلبيا من حماس.

 

صحيح أن إسرائيل لا تسعى لممارسة حصار خانق على غزة بسبب التداعيات السلبية لانفجار محتمل ضد العدو، ولكنها بالقطع لا تريد أن تشعر حماس بالراحة في حكمها لغزة فضلا عن السعي لمنع تسرب أي مواد قد تستخدم في تعزيز قدرات المقاومة.

 

والحال هكذا، فإن إمكانية استجابة حماس لمطلب التسليم تبدو ضعيفة لأنها بذلك تقدم استحقاقا ثقيلا وربما خطيرا مقابل مكاسب محتملة وليست أكيدة.

 

وقد تقدم حماس بدائل لتسليم المعتقلين مثل محاكمتهم في غزة وتقديم المعلومات عنهم للسلطات المصرية لتسهيل عملية ملاحقتهم ومطاردتهم، بما يؤدي في النهاية إلى وضع الكرة في ملعب مصر للوفاء بالتزامها برفع الحصار عن غزة.

 

على القيادة المصرية أن تختار بين شعبها وقواه الفاعلة وإصلاح علاقتها مع الفلسطينيين في غزة بدلا من حصارهم وتجويعهم، وبين الدخول في معركة مع داعش والدفع بحماس في أتون هذه المعركة

ولكن المحزن في الأمر أن تضع السلطات المصرية مطالبها الأمنية في كفة والمصالح الحياتية والمطالب الإنسانية لفلسطينيي غزة في الكفة الأخرى. وهذه حسبة لا يقبلها منطق ولا تستقيم أمام المسؤولية المصرية تجاه شعب فلسطين.

 

إن وضع غزة بين فكي كماشة الاحتلال والحصار المصري لا يمكن أن يخدم مصر التي تقول إن غزة هي بوابة أمنها الإقليمي، فانكسار غزة هو هزيمة لمصر كدولة أمام الاحتلال، وضعف حماس في غزة يغري التنظيمات المتشددة بها التي ستشكل في النهاية تهديدا مضاعفا لمصر بالإضافة إلى التهديد الموجود أصلا في سيناء.

 

وإذا أرادت مصر الحفاظ على أمنها الإقليمي فعليها أن تجترح وسائل سلمية في التعامل مع تهديدات المتشددين، وقبل ذلك – وهو الأهم- أن تتصالح مع المعارضة وعلى رأسهم الإخوان المسلمين لأن من شأن ذلك أن يكبح جماح التشدد.

 

والتعاون في هذا الإطار مع حماس مطلوب وليس الضغط عليها من خلال إغلاق معبر رفح معظم أيام السنة أملا في دفع الشعب الفلسطيني للثورة عليها.

 

على القيادة المصرية أن تختار بين شعبها وقواه الفاعلة وإصلاح علاقتها مع الفلسطينيين في غزة بدلا من حصارهم وتجويعهم، وبين الدخول في معركة مع داعش والدفع بحماس في أتون هذه المعركة حيث سيكون العدو هو الرابح الوحيد فيها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.