شعار قسم مدونات

علم النفس الإنساني وعلم النفس الطائفي

BLOGS-علم النفس

سبر أغوار النفس هو موضوع علم النفس. والنفس ليست كياناً مستقلاً عن ظروف المجتمع الذي تنشأ فيه، بل تتشابك معه بعلاقة التأثير والتأثر التي لا يشذ عنها مكون من مكونات المجتمع بل الكون. وعلى ذلك؛ فنتائج الدراسات النفسية على النفس في مجتمع لا يمكن تعميمها على مستوى النفس الإنسانية، لأنها لا تعدو كونها دراسة على نفس في مجتمع ذو طبيعة دينية وثقافية وعرقية وفكرية خاصة في فترة زمنية وبيئة مكانية معينة.

فالبحوث النفسية في المجتمع الغربي لا يمكن تعميم نتائجها على المجتمع الشرقي، كما أن نتائج البحوث النفسية في المجتمع الواحد في القرن الثامن عشر لا يمكن استصحابها على نفس المجتمع في القرن الحادي والعشرين، النفس عصية على الحدية الزمانية والمكانية.

المجتمع الغربي قطع شوطاً كبيراً في دراسة نفسه، ولكننا لم نبدأ بعد في دراسة نفسنا. إننا ندرس المختلفين عنا في طبيعتنا الحياتية ونظرتنا وثقافتنا وديننا وفكرنا على أنهم نحن

وعلى سبيل المثال، فأبحاث سيجموند فرويد على الغريزة الجنسية وعلاقتها بالمرض النفسي لم تخرج أبداً عن نظرة المجتمع محل الدراسة في تلك الفترة الزمنية للغريزة الجنسية، في حين أن نتائج الدراسة ستكون مختلفة تماماً إذا تم إجراؤها في مجتمع آخر أو على نفس المجتمع في حقبة زمنية أخرى، والدراسات النفسية الحديثة في ظل الحضارة الغربية المادية تركز على الجوانب المادية والنفسية في حين أنها تهمل الدين كمؤثر نفسي وفكري قوي في تكوين النفس، وحتما ستختلف نتائج تلك الدراسات إذا تم اعتبار الدين والجانب الروحي كمكون من مكونات النفس .

إنه لمن تزييف الحقائق أن نظن أننا على درجة كبيرة من التقدم العلمي حين ندرس في جامعاتنا أحدث ما تم ترجمته من بحوث علم النفس الغربي الحديثة، ويكون التزييف أكبر إن كنا نعتقد أن دراسة تلك البحوث هي دراسة الحلقة الاخيرة من حلقات تطور علم النفس الإنساني. والحقيقة المزعجة التي لا نريد أن نعيها وإن وعيناها لا نريد أن نقر بها وهي أننا ندرس في جامعاتنا نفس غير نفسنا، وأقصى درجة تطور في دراسة علم النفس هي آخر حلقة في تطور دراسة النفس الغربية وليس النفس الإنسانية.

سأجيبك على ما يتردد في نفسك الآن. نعم هناك علم نفس غربي وعلم نفس شرقي، علم نفس إسلامي وعلم نفس غير إسلامي، لكن ليست تلك هي النهاية المأمولة، بل تلك هي البداية المرجوة. إنه لا يمكن اعتبار نوع من النفس البشرية رغم تطورها وتحضرها هي معيار النفس الإنسانية وتنسحب نتائج بحوثها على كل أنواع النفوس الأخرى. إن النقاط المشتركة بين النفس الغربية والنفس الشرقية، النفس الإسلامية والنفس غير الإسلامية، هي التي يمكن أن نسميها (النفس الإنسانية)

المجتمع الغربي قطع شوطاً كبيراً في دراسة نفسه، ولكننا لم نبدأ بعد في دراسة نفسنا. إننا ندرس المختلفين عنا في طبيعتنا الحياتية ونظرتنا وثقافتنا وديننا وفكرنا على أنهم نحن، لن نصل إلى " نحن " حتى ننتهي أولا من (أنا) و (أنت) نحن فقط نريد أن نوقف ماكينة الترجمة ونشغل ماكينة البحث والدراسة. نريد أن نبدأ، إننا – الشرق الاسلامي – نقف عقبة في طريق فهم النفس الإنسانية.

إننا نرتكب جريمة مركبة في حق الأجيال حين نملأ الفراغ بدراسة علم نفس لا يمثلنا لأن جهودنا لا ترتقي لتأسيس علم نفس شرقي

ومن العقبات التي تقف أمامنا في طريق دراسة النفس الشرقية الإسلامية هو الدين. فعلماء المسلمين مازالوا عاجزين عن الوصول بشكل نهائي لطبيعة النفس في الإسلام لوضع ما يمكن أن نسميه علم النفس الإسلامي، ومازال رجال الدين في كل الأديان عاجزين عن وضع معالم النفس في كل دين لوضع ما يمكن أن نسميه علم النفس الديني. إننا بحاجة لعلم النفس الاسلامي لنضع لبنة في علم النفس الديني الذي يمثل لبنة في علم النفس الشرقي الذي هو لبنة في صرح علم النفس الانساني

إننا في عالمنا نفتقر لعلماء دين نفسيين وعلماء نفس دينيين. إننا في مجتمعاتنا الشرقية الدينية نحتاج لعلماء نفس مؤسسين لعلم نفس شرقي وديني ولسنا بحاجة لمترجمين لعلم النفس الغربي اللاديني. حتى الدعوة لعلم النفس الاسلامي ليس هدفاً يكون به الخلاص من التبعية، بل هو إحدى درجات سلم علم النفس الإنساني.

إننا نرتكب جريمة مركبة في حق الأجيال حين نملأ الفراغ بدراسة علم نفس لا يمثلنا لأن جهودنا لا ترتقي لتأسيس علم نفس شرقي، ثم نعلمهم أن ما يدرسوه هو الحلقة النهائية من حلقات تطور علم النفس الإنساني.. ندرس لهم أن قصورنا هو العلم الحديث، وأن العلم الطائفي هو العلم الإنساني.. يبدوا أننا لم نفقد القدرات العلمية فحسب بل فقدنا أخلاقيات العلم ليست المؤثرة فقط في مسيرة الشخص العلمية بل في مسيرة الأجيال المتتابعة في طريق العلم..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.