شعار قسم مدونات

منتخبات تمثل الجماهير أم الأنظمة؟

Blogs- Syrian football
هناك في سورية سيدي الكريم أينما تدخل ترى أصنام آل الأسد تنظر إليك محملقة بتلك النظرة الصفراء وكأنها تقول لك إنها مزرعتنا الأبدية فإياك والعبث فيها والتفكير بالقليل من الحرية.
          
في سورية تدخل إلى المركز الثقافي فترى صور الأصنام نفسها لكنها تلبس لباس المتثقفين، يرحب بك موظف الاستقبال "البعثي" لتدخل إلى قاعة المحاضرات فتبدأ سيمفونية الأشعار التمجيدية التي تقول في مطلعها أن ها هنا لا إله إلا البعث ولا رسول إلا الوطن فحذار كل الحذر، والخطابات القومية المعلبة التي لا تلبث أن تدخل من أذنك اليمنى حتى تخرج من اليسرى محدثة في دماغك الكثير من الإزعاج، تود أن تفتح كتاب لتقرأ أي شيء يذهب عنك الآثار السلبية لما سمعته فترى صورة القائد الخالد ترحب بك في الصفحة الأولى من الكتاب وفحوى الكتاب الذي تخرج منه رائحة العفن والذي تم تنقيحه من قبل أفرع المخابرات.
         
في سورية يرضعونا منذ الصف الأول الشعارات البعثية والأناشيد والأهازيج التي تهتف للقائد ومن التي أذكرها وترسخت في ذاكرتي وذاكرة السواد الأعظم من السوريين" إلى الأبد إلى الأبد يا حافظ الأسد" حتى لو اضطر الطالب إلى أن يقوم بجلسة لصفاء الذهن قليلاً محاولاً النظر إلى جدار باحة المدرسة محاولاً تفريغ الطاقة السلبية الناتجة عن الهتافات البعثية، فيرى كلمات الفيلسوف المغوار وأفكاره العميقة "القائد الخالد" ومما أذكره أيضاً "إني أرى في الرياضة حياة".
               

لا يترك النظام السوري أي حدث إلا ويحاول أن يستغل اسم سورية لتسويق نفسه وإظهار أنه النظام المنفتح الوديع الذي تغلب على الحرب المفروضة عليه كما يقول
لا يترك النظام السوري أي حدث إلا ويحاول أن يستغل اسم سورية لتسويق نفسه وإظهار أنه النظام المنفتح الوديع الذي تغلب على الحرب المفروضة عليه كما يقول
       

من هنا يدرك أي عاقل ذي لب ولد في سورية وعاش فيها وتربى في مدارسها أن النظام البعثي لم يوفر أي شيء إلا وتدخل به، تدخل النظام في المناهج المدرسية حتى نشأنا على التفرقة بين أبناء الوطن الواحد، حولوا الفتوحات التاريخية إلى احتلال، حولوا الساقطين الخائنين إلى أبطال وزورا تاريخنا. سيّسوا النشرات الجوية، تدخلوا في المؤسسات الإعلامية فبات إعلامنا السوري من أفشل المؤسسات الإعلامية في العالم، تدخلوا في الدراما السورية فكانت الرقابة الدرامية تمنع ظهور أي ممثل يقوم بالتدخين لأنه عادة مضرة وسيئة، حتى باتت الدراما السورية اليوم تبيح الزنا وشرب الخمور وتعاطي المخدرات، واهانة الوالدين والكذب والسرقة والفجور فيظهروا من يقوم بمثل هذه الأعمال أنه قام بفعلها بسبب ضغوط الحياة، تلك هي البصمة البعثية في الدراما السورية التي كانت يوماً من الأيام دراما هادفة قبل أن تصبح هادمة.

         
تدخل النظام في الصناعة والزراعة وحرم علينا كسوريين التمتع بثرواتنا فاستولى على أجود المنتجات وصدرها وطرحوا الفتات في الأسواق، ولم يُدخل في ميزانية الدولة طوال خمسة عقود قيمة الثروة النفطية التي كان إنتاجها بحسب زعمهم يساوي 300 ألف برميل "عربي ثقيل" يومياً وأظنها أكثر بكثير وكانت كافية لأن تجعل الشعب المسحوق يعيش في رفاه وكفاية لكن هيهات. هذا جزء بسيط مما كان وما يزال النظام في سورية يفعله في سورية عدا عن السطوة الأمنية التي يمارسها على السوريين واليوم جدل واسع يدور بين أوساط السوريين تزامناً مع تصفيات التأهل لكأس العالم "روسيا 2018" وهنا سأتحدث عن جزء بسيط من مشجعي منتخب البراميل وهم المعارضين الذين خرجوا ضد النظام وهم يلهثون وراء منتخب المخابرات الجوية أو كما يحلوا لهم أن يسموه منتخب الوطن "منتخب سورية" ويرفعون أعلامه الحمراء تحت شعار فصل السياسية عن الرياضة!
          
إن النظام السوري ومن ورائه حلفائه الكبار لا يترك أي حدث سواء كان عربي أو إقليمي أو دولي إلا ويحاول أن يستثمره لصالحه ويحاول إعادة تأهيل نفسه عن طريق المشاركة في المعارض الدولية والعربية والثقافية والفكرية والرياضية مستغلاً اسم سورية وما تحمله من مواد إعلامية دسمة لتسويق نفسه وإظهار أنه النظام المنفتح الوديع الذي تغلب على الحرب المفروضة عليه "كما يقول" وتغلب على الإرهاب، وانظر أيها العالم ها هي سورية اليوم تعود من جديد والشعب السوري التف خلف علمه "علم النظام" ووراء فريق سورية "فريق المخابرات الجوية" ونسي الشعب كل ما حدث من آلام ودمار.
       

الأنظمة الديكتاتورية وحكوماتها التي لا تملك أي إنجاز يذكر، تستثمر كل شيء سواء كان رياضي أو ثقافي ولو حتى سقوط المطر وتضعه ضمن إنجازاتها لتخدير الشعب وخداعه

يقول للناس انظروا إن الشعب السوري يريد الحياة في كنفي وهم الآن جمهوري، يسوق نفسه رياضياً مستغلاً ما تحمله كرة القدم بشكل عام من زخم إعلامي وبعد إنساني فيعيد طرح نفسه لذاك الجمهور المتعاطف بشكل عام مع سورية فكيف إذا كان الحدث هو كأس العالم! قد يأتي أحدهم ويقول ولم لم تكن المعارضة السورية على قدر ذكاء النظام وفعلت ما يفعله النظام الآن. فأقول إن المعارضات السورية المشتتة لم يكن عملها بمستوى الثورة السورية والتضحيات التي قدمها السوريين، فأكثر المعارضين السياسيين والعسكريين فضلوا التشتت والتشرذم والحزبية والفصائلية والايدولوجية على التوحد وإنقاذ السوريين وهم بالتالي لا يستطيعون أن يديروا أي مؤسسة ثورية مدنية أو مجتمعية فيكيف لهم أن يقودوا دولة، ولكن لا بد أن يخرج من بينهم عقلاء وينقذوا ما تبقى من ثورتنا.

      
ولا بد للفت النظر إلى أن النظام المجرم كان ذكي بشكل واضح مقارنة مع المؤسسات الثورية التي رحبت بجميع المنشقين عن النظام سواء مثقفين أو ممثلين أو سياسيين أو رياضيين، حيث استطاع النظام اختراق جسم الثورة عن طريق عملائه الذين ظهر قسم كبير منهم اليوم بعد أن أدوا مهامهم المطلوبة بشكل مبهر وهنا أتحدث عن اللاعب فراس الخطيب الذي لعب سابقاً مع أندية كويتية وتألق فيها واللاعب عمر السومة الذي يلعب ربما مع الأهلي السعودي هم نجوم منتخب المخابرات الجوية الذين انضموا إلى صفوف الثورة السورية ورفعوا علمها وقطعوا الوعود أمام الجماهير والكاميرات أنهم لن يلعبوا مع منتخب النظام حتى يزول، والتف حولهم جمهور غفير من السوريين وشخصياً في عام 2015 التقيت باللاعب "فراس الخطيب" في تركيا كان قد أتى مع وفد إغاثي مشترك "كويتي قطري" ومن ضمن نشاطاتهم دعم الأطفال واللاجئين السوريين، وكان موقفه موقف الثائر المغوار من النظام. حتى أظهر حقيقته بعد أن أتم مهمته في اختراق صفوف الثورة وعاد إلى حضن النظام يسوق أن الحياة عادة لطبيعتها في سورية تحت ظل قائده بشار وأنه كان من المغرر بهم، وكذلك زميله عمر السومة فلم يلبثوا إلا أن ظهروا على شاشات النظام يشكروا قيادة النظام المتمثلة ببشار الأسد ويهدونه الانتصار.
            
وهنا لابد أن نبين لهؤلاء المعارضين ولكل من قال بفصل الرياضة عن السياسية ما أخبار أكثر من 260 من الرياضيين الذي قتلهم النظام ومنهم من قتل تحت التعذيب؟ هل تستطيع يا من تشجع منتخب التشجيع أن ترفع بين جمهوره علم الثورة أو صورة أحد الشهداء الذين قتلهم ربيب المنتخب؟ مع الأسف الأنظمة الديكتاتورية وحكوماتها التي لا تملك أي إنجاز على الصعيد السياسي أو الصناعي أو الخدمي يذكر، تستثمر كل شيء سواء كان رياضي أو ثقافي ولو حتى سقوط المطر وتضعه ضمن إنجازاتها لتخدير الشعب وخداعه ولنا في النظام السوري والمصري في تصفيات كأس العالم أسوة ومن كان ذا ضمير حقاً لا يفرح لفوز منتخب يقوده ضباط وعناصر مخابرات وننسى دماء الشهداء وآلام المعتقلين أفلا نستفيق؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.