شعار قسم مدونات

تفكيك خطاب النظام عن أبو تريكة

Egypt's Al-Ahly forward Mohamed Aboutrika reacts with joy after scoring a goal against Japan's San Frecce Hiroshima during their 2012 Club World Cup quarter-final football match in Toyota on December 9, 2012. Al-Ahly won the match 2-1. AFP PHOTO/Toru YAMANAKA (Photo credit should read TORU YAMANAKA/AFP/Getty Images)

فور تأهل منتخب مصر لكرة القدم لنهائيات كأس العالم القادمة في روسيا انطلقت حملة كبيرة وواسعة النطاق تطالب بعودة محمد أبو تريكة للملاعب من أجل اللحاق بالمنتخب في المونديال القادم، أسوة بلاعبين كثر ونجوم كرة مشاهير أقدموا على الأمر نفسه لأسباب مختلفة.

الحملة التي انطلقت بالتوازي مع أفراح الانتصار كانت بنفس القوة وبنفس الحماسة من جماهير الكرة جميعها تقريبا، لا سيما الأجيال التي حضرت أجيال منتخب مصر الذهبية وتوديع أبو تريكة للملاعب وتعلم جيدا قيمة الرجل الفنية والمعنوية بالنسبة لجيله وللأجيال التي تلته مباشرة وشهدت أيامه الأخيرة كلاعب محترف في الملاعب.

لكن هذه الحملة على الرغم من عفويتها وعدم تعليق أبو تريكة عليها بعد ذلك إلا بالرفض المهذب للعودة أو اللعب فإنها أحدثت هزة كبيرة لدى إعلام النظام وسدنته دفعتهم إلى فرد مساحات كاملة من البرامج لمناقشة المطلب الجماهيري الذي انتشر كالنار في الهشيم، لكن هذه المساحة والنقاشات التي جرت بشكل متوازٍ بطريقة تجعلنا نتشكك بأن "جوبلز" السيسي ومدير مكتبه اللواء عباس كامل هو من وراء هذه الحملة، لا سيما حينما تتقاطع النقاط الرئيسة للنقاشات بشكل يكاد يكون متطابقا.

حاول إعلام النظام الوقيعة بين أبو تريكة ومحمد صلاح، في صورة مقارنة دائمة بينهما بوصف الأول لم يبذل مجهودا حقيقا في مساعدة المنتخب للتأهل للمونديال حينما سنحت له الفرصة بينما اقتنصها الثاني
حاول إعلام النظام الوقيعة بين أبو تريكة ومحمد صلاح، في صورة مقارنة دائمة بينهما بوصف الأول لم يبذل مجهودا حقيقا في مساعدة المنتخب للتأهل للمونديال حينما سنحت له الفرصة بينما اقتنصها الثاني
 

وعلى الرغم من أن النقاط الرئيسة التي تمحور حولها نقاش رجال النظام تظهر وكأنها تحاول الإجابة عن زاوية واحدة وهي إمكانية عودته فإن ثمة رسائل بدا وكأنه يراد تمريرها إلى الرأي العام، وهي رسائل تخص شخص أبو تريكة لكنها تمس قيما ورمزيات كثيرة يمثّلها الرجل، وفيما يلي سنحاول استعراض هذه الرسائل في محاولة لتفكيك خطاب النظام ضده بعدما أراد أن يقلب الطاولة عليه ظنا منه أنه يمكن أن يحرز هدفا من هجمة مرتدة عشوائية.

كانت النقطة المحورية الأساسية في خطاب إعلام السيسي تتركز حول "معايرة" الرجل بأنه فشل بالصعود إلى كأس العالم الماضي حينما أخفق المنتخب في مواجهته الشهيرة مع غانا، وكأنما يريدون تمرير رسالة مفادها "ساحركم فاشل"، وهي رسالة ليس الغرض منها التقليل منه فقط فنيا ولكنها أيضا تحمل معنى أو مغزى سياسيا برأيي، وهو أن الخارج على عصر السيسي أو غير المنتمي إليه ليس صاحب نجاح، وأن المحبوبين من مخالفي السيسي "لم يحققوا شيئا لمصر"، تلحظ هذا المنحى في أحاديث عمرو أديب وإبراهيم الجارحي قائدا أوركسترا النفاق واللجان الإلكترونية فضلا عن غيرهما.

وقد فات هؤلاء أن الجميع يتذكر الجيل الذهبي الذي حقق ثلاث بطولات أفريقية متتالية أخفق في اللحاق بمونديال 2010، وظلت مكانته عند الناس قائمة ولم يعايره أحد فضلا عن تحميل لاعب واحد مسؤولية 11 لاعبا ومدربا، ناهيك عن منظومة كاملة كانت في عهد السيسي أيضا، وهو ما يظهر حالة التصيد والتربص المنتظر ضد أبو تريكة وحجم الحقد على شخصه وحب الناس له ولنجاحه المستحق كرويا وشعبيا.

اتهم أبو تريكة بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، فضلا عن ذكر تديّنه بوصفه مناهضا
اتهم أبو تريكة بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، فضلا عن ذكر تديّنه بوصفه مناهضا "للنقاء المصري" باعتباره حوّلنا من "فراعنة" إلى منتخب "الساجدين"
 

النقطة الثانية كانت محاولة إظهار أبو تريكة بمظهر "الأناني المنتفع"، فطوال النقاشات كانت تلك الفكرة المركزية المطروحة بالإشارة إلى أن أبو تريكة يرغب في اقتناص فرصة اللعب في كأس العالم بعدما أخفق على حساب زملائه، وهي نقطة تحتوي على مغالطة واضحة، ذلك أن أبو تريكة لم يطرح الأمر ولم يلمح له لا من قريب أو بعيد لا قبل المباراة ولا بعدها، بل كان الأمر عفويا خالصا، وربما هذا ما دفعهم إلى الإلحاح على هذه النقطة كمرتكز ثانٍ في الهجوم عليه، أما المعنى أو المغزى السياسي الذي حملته هذه النقطة فبرأيي هو محاولة التلبيس بأن الرغبة في عودة تريكة هي أنانية منه وليس شعبية عفوية ظهرت، وهو أمر ينغص عليهم أوقاتهم كلما ذكّرهم كم هم مرفوضون من الناس ولا أحد يتحرك نحوهم بتلك العفوية والحماسة الخالصة.

ولعل هذا ما دفع أبو تريكة إلى التركيز على هذا الجانب حينما رد بعد فترة قائلا: "مشاعر طيبة أشكركم عليها، ولكن الواقعية أفضل ونحن لا نسرق مجهود الآخرين، فهؤلاء الرجال يستحقون الوجود وحدهم في هذا الحدث."

النقطة الثالثة كانت محاولة الوقيعة بين أبو تريكة ومحمد صلاح، في صورة مقارنة دائمة بينهما بوصف الأول لم يبذل مجهودا حقيقا في مساعدة المنتخب للتأهل للمونديال حينما سنحت له الفرصة بينما اقتنصها الثاني، هذا فضلا عن إظهار جماهير أبو تريكة وكأنهم لا يحبون صلاح أو لا يقدرونه، وكأنهم يرغبون في إرسال رسالة إلى صلاح بأن جماهير أبو تريكة ليسوا أوفياء وأن أبو تريكة سيتسبب في بخس حقك، هذا إضافة إلى محاولة استبدال صلاح كنجم يجب أن يغطي ويلغي أبو تريكة من العقول والقلوب.

وعلى الرغم من دناءة هذه النقطة وغرضها فإنها كانت الأكثر تهافتا، فمحمد صلاح كان زميل أبو تريكة في مباراة غانا، واللقطة التي تجمعهما بكل أخوة واحتواء من أبو تريكة لمحمد صلاح تُبيّن أن جيلا كان يُسلّم جيلا وأن نظرات أبو تريكة حيناها كانت نبوءة لصلاح بأنه من سيقود المنتخب إلى كأس العالم، وهو ما تحقق بالفعل، هذا فضلا عن أنهم تناسوا أن المخلصين والمحترمين من الموهوبين لهم أكثر من موضع في القلب طالما كانوا أنقياء وليسوا فسدة مثلهم، وتظهر سياسيا أن فكرة فَرِّقْ تَسُد السياسية يمكن استحضارها كرويا أيضا على يد هؤلاء.

ستفشل محاولات النظام وسيفشل منافقوه في طي صفحة أبو تريكة ودفعها إلى غياهب النسيان، أو استبدال مكانته في القلوب بشخص آخر، ذلك لأن أبو تريكة لم يكن نجما كرويا فحسب
ستفشل محاولات النظام وسيفشل منافقوه في طي صفحة أبو تريكة ودفعها إلى غياهب النسيان، أو استبدال مكانته في القلوب بشخص آخر، ذلك لأن أبو تريكة لم يكن نجما كرويا فحسب
 

النقطة الرابعة كانت هي ذكر الاتهام "الساذج" الموجه إلى أبو تريكة حول تمويل الإرهاب واعتباره "إرهابيا"، وهي نقطة لم يتم تداولها كثيرا لكنها ذُكرت تلميحا أحيانا وتصريحا أحيانا أخرى، وأراد البعض طرحها كأمر واقع على الرغم من عدم وجود أدلة أو أحكام قضائية أو حتى مؤشرات تؤيد صحة قولهم، لكن الغرض من هذه النقطة هو "التشويش" وإيهام الدهماء من الناس بأن ثمة مانعا "قانونيا" وأن الرجل "ضد مصر" ومن ثم لا يستحق مكانة تمثيلها، وهو أمر يبعث على الضحك والسخرية والرثاء لحالهم، فلم يرفع أحد علم مصر مصحوبا بكل هذا الحب من المخالف والمنافس قبل المؤيد مثل أبو تريكة.

النقطة الخامسة والأخيرة  كانت الأقل ذكرا لكن كان لها نصيب أيضا، وهي ذكر ما اعتبروه انتماء للرجل لجماعة الإخوان المسلمين، فضلا عن ذكر تديّنه بوصفه مناهضا "للنقاء المصري" باعتباره حوّلنا من "فراعنة" إلى منتخب "الساجدين"، الأمر الذي استفز لاعب الأهلي السابق شادي محمد ليرد على هذه النقطة في برنامجه التلفزيوني شارحا الأمر وأصل التسمية، وأنها لا تخص أبو تريكة بمفرده، لكن هذه النقطة بدت وكأنها كاشفة أن مسألة أخلاق أبو تريكة التي يظهر أنها مستمدة من خلفية دينية لديه تذكّرهم بتدني مستواهم الأخلاقي، وتكشف حجم الوهم الذي يعيشون فيه بأن التدين فقط ليس هو مصدر حب الناس لأبو تريكة، وأن بصمته مع المنتخب وزملائه فنية وكروية وإنسانية بأكثر منها دينية، فالرجل لم "يسترزق أو يتاجر" بالدين كما يحلو لهم أن يصوروه، بل صبر على أذاهم حينما صادروا أمواله وهو الذي من الممكن أن يكون له ملايين الجماهير إذا قرر أن يكون مقدما لبرنامج ديني.

ستفشل محاولات النظام وسيفشل منافقوه في طي صفحة أبو تريكة ودفعها إلى غياهب النسيان، أو استبدال مكانته في القلوب بشخص آخر، ذلك لأن أبو تريكة لم يكن نجما كرويا فقط، بل شخصا خلوقا كريما مكافحا متواضعا، والأهم أنه لا يحمل الضغينة والكراهية لأحد، فوصل إلى قلوب الناس دون تدليس أو تزوير واستحق لقب "أمير القلوب".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.