إن مقدار الظلم الذي مرت به مصر على مر العصور -من وجهة نظري- لو جمع لكان أقل مما رأته مصر منذ الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو عام 2013م، وإن الدماء التي لا زالت تنزف من الجميع ليس لها إلا أن تبحث في جذور المشكلة فقضية الإرهاب التي طلب السيسي تفويضا لمحاربة الإرهاب المحتمل وإسقاط دولة لم يكن بها أي حادثة مثل ذلك وما فعلوه من قتل الجنود كان رد الرئيس محمد مرسي وقتها هو أن نحافظ على الدماء وهي سياسة لا يعرفها من يأخذ الأوامر طيلة حياته ولا يفكر فمنذ متى كان للعسكر أن يتدخلوا في سياسة الدولة وشؤونها، مع الحفاظ على حقهم ودورهم الحقيقي في الدفاع عن الدولة ضد أي عدوان خارجي، ومنذ متى رأينا دولة اعتلاها العسكر إلا وكانت في ذيل الأمم، ولك أن تتخيل كيف كانت تركيا واقتصادها ومستواها فيما بين الدول عندما حكمها العسكر حتى جردها من كل مكانة وجعلها دولة متخلفة، ثم انظر إليه الآن عندما حكمها الرئيس المدني الذي عمل على بناء الدولة منذ اليوم الأول لشغله منصب القيادة حتى غدت من أقوى الاقتصادات في العالم إضافة إلى قوتها العسكرية الضخمة.
والحقيقة أنه إذا أردت أن تسيطر على شخص ويكون لك أسيرا فافعل معه أحد أمرين فإما أن تجعله خائفا أو اجعله يطمع، فإن الإنسان إذا خاف سلَّم بكل شيء مخافة الفقرِ أو القتلِ أو ال…، والإنسان إذا طمع كان كالعطشان الذي رأى السراب فظل يبحث عن الماء ولا يجده، وهي سياسة القائد الفاشل ولقد قال ربنا سبحانه أن نعمة الطعام والأمن من أهم مقومات الحياة فقال في سورة قريش "الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ" وهما النعمتان اللتان تحارب بهما الدولة منذ قرون لتحقيقهما ولم تتحققا مطلقا إلا في أوهامهم وأحلامهم.
إن ما حدث في مصر منذ الانقلاب العسكري وإزاحة الرئيس محمد مرسي، الرئيس المدني الذي اختاره الشعب ورضا البعض من الكارهين للحرية ودائما وأبدا تجدهم في صارة الأمر يتشدقون بها فلما رزقهم الله بها فروا وانقلبوا مع المنقلبين. سئل عمر بن عبد العزيز مرة عن أحمق الناس فقال "أحمق الناس هو من يبيع دينة بدنيا غيره" فيخسر لأجل أن يكسب غيره وهو يعلم أنه يفعل ذلك، فكل من يطبلون ويرقصون للمجازر التي يرتكبها النظام ولن أرمي التهمة على أحد بعينه غير السيسي ونظامه الفاشل لأنه المسؤول الأول عن حماية هذه الدولة إن كان لديه ذرة من وطنية، فمن قتلوا في النهضة ورابعة ومن يموتون بالتصفيات الجسدية ومن يموتون داخل السجون ومن يقتلون من الجنود والضباط هم أبناء هذه الأرض ومن حقهم أن ينعموا بالحياة الطيبة مهما اختلفت توجهاتهم، لكن لن نفرح بالدماء التي تسال وتراق في كل صبيحة يوم، لأننا نعلم أن القاتل واحد ويتحمل كل هذه الدماء فتفرق الناس في الطرقات لم يصل أحد لهدف ولن يصل ونحن بهذه الفرقة التي لا ينتهجها سوى اليهود سياسة منذ القدم سياسة فرق تسد.
لم تنقسم الدولة في عهد مرسي ولم يتنازل عن شبر من أراضيها، لكن من خلص مصر من حكم المدنيين فرق مصر على الأحباب في ساعة أُنسٍ والشعب مشغولٌ بلعبة وبحث عن قوت وخوف على العمر، من أكبر الدلائل على ضلوع الفشل في كل ركن من أركان النظام وعدم قدرته على إدارة الدولة تلك المجزرة الأخيرة في منطقة الواحات والتي كانت الخسائر البشرية من جانب القوات كبيرة وفادحة ليس كسابقتها. فإلى متى سيظل العالم منتظرا أمام تلك السياسة الفاشلة دون رد على هذا القاتل بعد أن كاد ينهي خصومه انتقل للخلاص من محبيه ولم يألُ جهدا في أن يقضي على كل من يعارضه حتى لو كان شريكا له في الانقلاب.
لا أجد إلا أن الله عادل فكم رأينا ما يفعله ضباط الأمن في المعتقلين وأهليهم ومنذ وقوع حادثة الواحات وأرى من يكتبون عن ضباط عذبوهم في غرفات الأمن الوطني ضمن هؤلاء القتلى، فتلك رسالة لكل ضابط أو جندي من أعان ظالما سلطه الله عليه. لا أجد بداخلي أي ذرة من تعاطف مع من يقتلون أبناء هذا الشعب بدون حق وأعلم أن بين القتلى أشخاص لم يقتلوا من قبل أو يعذبوا ولكن كما أخبرنا النبي "يبعثون على نياتهم".
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.