شعار قسم مدونات

كيف يعالج دماغك المعلومة؟

blogs - الدماغ

هل حدث يوما ما أنك لم تفلح في العثور على سيارتك داخل مرآب، علما أنها كانت متوقفة هناك وتحت ناظريك؟ إن الأمر ليس له علاقة بسهو من جانبك أو بكونك لم تحقق النظر لعدة مرات في السيارات المتوقفة لكي تتعرف على سيارتك من بينهما، فما هي المشكلة؟ إنها مشكلة لحظية، تتعلق بالتعرف على الأشكال، وبالانتباه، وبالذاكرة.

 

تمكننا إحدى أوليات مراحل معالجة المعلومة من التعرف على الأشياء المحيطة بنا، ومن تخزين المعلومة لمدة قصيرة، وينتقي النظام المعرفي، خلال هذه المرحلة، المعلومات الملائمة في المحيط، ويخزنها لمدة قصيرة داخل ما أسماه علماء النفس بالذاكرات الحسية، وقد كان سبيرلنغ (sperlling(1960،1967 أول من أبرز تواجدها.

 

تعالج المعلومة الفورية بشكل أولي عن طريق التعرف على الأشكال حيث يتشكل لدينا الانطباع بأننا ننجز هذه المهمة من دون عناء ونحن لا نعي بما يحدث في نظامنا المعرفي، إذ أن التعرف يحدث بصفة لحظية باستثناء بعض الحالات، كحالة مصادفة شخص لم تره منذ مدة طويلة، ومع ذلك فإن هذا النشاط يضع قيد الاستعمال سلسلة من المهارات تصعب دراستها بفعل استعمالها بسرعة، وحسب علماء النفس فالمقاربات العامة للتعرف على الأشكال تخلص إلى أن إدراك الأشياء يرتبط بشكل وثيق بالسيرورات الذهنية النازلة، التي ندرك بواسطتها ونؤول المثيرات على ضوء معتقداتنا أو توقعاتنا، وهكذا إذا تواجدت مثلا بقاعة للدرس في الجامعة وبمعية زملائك، فإنك تتعرف عليهم بشكل أسرع من التعرف عليهم في الشارع وذلك لأنك تتوقع مصادفتهم بذلك الفضاء.

 

تشكل طريقة معالجة الشخص للمادة العلمية وكيفية استقباله وتجهيزه وتخزينه لها أهمية كبرى في تحديد معدل التذكر أو الاسترجاع اللاحق للمعلومات
تشكل طريقة معالجة الشخص للمادة العلمية وكيفية استقباله وتجهيزه وتخزينه لها أهمية كبرى في تحديد معدل التذكر أو الاسترجاع اللاحق للمعلومات
 

وليس هذا فحسب بل إن التعرف على الأشياء يتعلق أساسا بالسيرورات الذهنية الصاعدة، والتي لا تتدخل فيها المعتقدات أو الرغبات، وهي تقوم بتبليغ مباشر المادة المدركة إلى النظام المعرفي، وهكذا إذا قلت لك على سبيل المثال: سأريك شيئا، ولا يهم ما يكون، ويتعين عليك أن تحدده، ثم أريك سكينا، فأنت ستقوم بترميز هذه الأداة (شفرة ذات أسنان) مثلما تم تقديمها لك.

 

يعد التعرف على الأشكال سيرورة نشيطة وبنائية إذ لا تحدده المثيرات فحسب، وهو ليس مجرد نسخ للعالم الخارجي على الأعضاء الحسية، بحيث يضع قيد الاستعمال العديد من الأحداث ما بين الإثارة وتجربة التعرف على الأشكال، حيث لا يقدم التعرف على الأشكال مباشرة من قبل مثيرة، بل يشكل نتيجته النهائية، والمتعارف عليه هو نتاج لتفاعل بين المثير والفرضيات المتعلقة به، فمثلا إذا ذهبت للسباحة في مسبح، فإنك لا تتوقع مصادفة قرش، بل تتوقع رؤية أشخاص يرتدون ملابس سباحة.

 

كما يؤثر التحفيز في التعرف على الأشياء، ألم يحدث لك يوما ما أن تعمدت عدم رؤية شخص على الرصيف، علما أنك لا تود مصافحته، وقد يمر بجانبك دون أن تنتبه له، وأحيانا حين تركز التفكير فيه وتحاول تجنبه يكون أول شخص تصادفه.

 

إتقان الترميز وإيجاد العلاقات بين المادة المتعلمة والمعرفة أو الخبرات المماثلة بالبناء المعرفي للفرد واستخدام الإطار المرجعي للشخص يرفع من كفاءة الذاكرة ويزيد من فاعليتها بالحفظ والتذكر
إتقان الترميز وإيجاد العلاقات بين المادة المتعلمة والمعرفة أو الخبرات المماثلة بالبناء المعرفي للفرد واستخدام الإطار المرجعي للشخص يرفع من كفاءة الذاكرة ويزيد من فاعليتها بالحفظ والتذكر
 

وتشكل طريقة معالجة الشخص للمادة العلمية وكيفية استقباله وتجهيزه وتخزينه لها أهمية كبرى في تحديد معدل التذكر أو الاسترجاع اللاحق للمعلومات. ويؤكد نموذج تجهيز المعلومات على أن التجهيز والمعالجة الأعمق للمادة المتعلمة معناه توظيف طاقة أكبر من الجهد العقلي في صنع شبكة أكبر من الترابطات بين أجزاء المادة المتعلمة وبعضها البعض من ناحية وبينها وبين المعرفة المماثلة في الذاكرة من ناحية أخرى، مما ييسر استرجاع المعلومات السابقة.

 

كما أن التجهيز عند المستوى الأعمق للمعلومات يؤدي إلى تعلم أكثر ثراء وإتقان الترميز وإيجاد العلاقات بين المادة المتعلمة والمعرفة أو الخبرات المماثلة في البناء المعرفي للفرد واستخدام الإطار المرجعي للشخص كل هذا يرفع من كفاءة الذاكرة ويزيد من فاعليتها في الحفظ والتذكر اللاحق للمعلومات.

 

وتفترض نظرية معالجة المعلومات والتي قدمت بواسطة ميكانزمات التجهيز داخل الكائن الحي، كل منها تقوم بوظيفة أولية معينة، ويفترض أن تنظم هذه المعلومات على نحو معين، ويمكن وصف هذه النظرية وصفا عاما بأنها تهتم بالوصول إلى نوع من التركيب التجريبي للسلوك الإنساني المعقد سعيا منها إلى فهم السلوك الإنساني حين يستخدم إمكاناته العقلية والمعرفية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.