ولكن لماذا عام (2009)؟! ببساطة لأنه العام الذي أُنتج فيه عملان يمكن اعتبارهما مقدمة لتحول مسار الدراما السورية حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم. الأول مسلسل (شتاء ساخن)، كتابة فؤاد حميرة وإخراج فراس دهني، العمل يدور في بيئة شعبية فقيرة، ويتحدث عن علاقات غير مشروعة داخل كيان الأسرة الواحد، من خلال الأخ الذي يُقيم علاقة مع زوجة أخيه، والابنة التي تجري عملية تحول جنسي، كل ذلك ضمن إطار من جرائم القتل والسرقة، ومشاهد التدخين الشره وشرب الكحول.
والثاني مسلسل (عن الخوف والعزلة) كتابة فادي قوشقجي وإخراج سيف الدين السبيعي، العمل هنا يدور في بيئة مثقفة متوسطة الحال، ويتحدث عن العلاقة بين الصديقة وزوج صديقتها، والعلاقة بين الصيدلانية وصديقها، والعلاقات المتعددة لمهندس الكومبيوتر، كل ذلك دون ضبط أسري أو رفض اجتماعي.
يبدو الحديث اليوم عن ماضي الدراما السورية القريب وكأنه حديث عن زمن الأبيض والأسود وزمن الفن الجميل، رغم أنها أعمال حديثة نسبياً صنعت مجد الدراما السورية بالترويج للقيمة |
وبعد ظهور هذا النوع من الأعمال بدأ تتوالى أعمال مشابهة كالخبز الحرام (2010) ما ملكت أيمانكم (2010) العشق الحرام (2011) تعب المشوار (2011) بنات العيلة (2012) وأرواح عارية (2012)، حتى وصلنا في عام (2013) إلى ما يمكن اعتباره ذروة الانهيار القيمي للدراما السورية مع بدء إنتاج مسلسل (صرخة روح) بمواسمه المتعددة حتى عام (2016)، وهو عمل يمكن اعتباره تطبيعاً للخيانة في المجتمع، مع تغييب تام لأي ضابط ديني أو أخلاقي، وتعارضاً تاماً مع قوانين الأرض والسماء. بالنظر إلى كُتّاب الأعمال السابقة ومخرجيها وممثليها، نلاحظ ما يمكن أن يشكل فريق عمل واحد، ما يؤكد فكرة وجود توجيه سياسي من نوعٍ ما، وتواطئ اجتماعي حوّل هؤلاء الفنانين إلى نجوم الصف الأول.
يبدو الحديث اليوم عن ماضي الدراما السورية القريب وكأنه حديث عن زمن الأبيض والأسود وزمن الفن الجميل، رغم أنها أعمال حديثة نسبياً صنعت مجد الدراما السورية بالترويج للقيمة، ولم تضع بوصلتها وراء اللُهاث خلف القصص الغرامية الفارغة أو اللوحات الكوميدية التافهة.
أهمها على سبيل المثال: أعمال اجتماعية كالفصول الأربعة بموسميه (1999 و 2002) وقوس قزح (2001) وأحلام كبيرة (2004)، وأعمال تاريخية كالزير سالم (2000) وصلاح الدين الأيوبي (2001) والتغريبة الفلسطينية (2004)، وأعمال كوميدية كبقعة ضوء (مواسم متعددة) ومرايا (مواسم متعددة) وع المكشوف (2004)، وأعمال رومانسية كأهل الغرام بموسميه (2006 و 2008)، وأعمال ببعد سياسي اجتماعي كذكريات الزمن القادم (2003) ورسائل الحب والحرب (2007).
باختصار الدراما السورية -التي يحاول القيّمون عليها أن يقنعوك أنها "بخير" كما يحاول المسؤولون في سوريا أن يقنعوك أن البلد بخير- تُعاني اليوم أزمة أخلاقية قبل كل شيء، فممثليها لا تنقصهم الموهبة، وكتاب سيناريوهاتها لا تنقصهم الحرفية، ومخرجيها لا تنقصهم المهنية، ما ينقص هؤلاء فعلاً هو الوعاء الأخلاقي لإبداعهم.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.