شعار قسم مدونات

هرمجدون الأنظمة العربية

blogs ثورة

مع التحضيرات النهائية المزعومة للقضاء على تنظيم داعش وخاصة في سورية والعراق، وإنهاء الدور الذي لعبه هذا التنظيم على مدار الخمس سنوات الأخيرة لصالح كثير من الأنظمة العربية والقوى الدولية والإقليمية الغاشمة، مع البدء بتلك المزاعم، نجد أن المنطقة العربية وكأنها تتحضر لسيناريوهات من الواجب عليها الحدوث ليكتمل ما خُطط لداعش بأن يبدأ به يوماً.

ثمة من يتصور أنه تم زج الكثير من الأطراف العربية التي لا حول لها ولا قوة في هكذا قرارات بحرب داعش، لكن هناك ضرباً أكثر منطقية أعتقده، وهو أنه تم استقطاب تلك الأطراف العربية رغماً عنها إلى هذا الصراع من خلال تلك الدعاية الضخمة التي شكلت هالة مرعبة حول داعش للوصول في نهاية المطاف إلى ما نراه اليوم على أرض الواقع ونعيشه، والذي يبدو أنه تم التخطيط له جيداً وبعناية فائقة، وهو نشوب حرب إقليمية أكثر جنوناً من تلك الحروب الكثيرة التي شهدتها المنطقة يوما، وهذه الحرب -حسب اعتقادي المتواضع- تهدف لثلاثة أهداف.

الأول: تقسيم بلدان وإنهاء أخرى على حساب بعضها بعضا، من مبدأ الاستغناء عن الموظفين القدماء.

الثاني: هو الحفاظ على أنظمة عربية ما زال يُعتقد أن دورها لم ينتهي بعد.

الهدف الثالث: فهو ضمان إطالة عمر الكيان الصهيون إلى أطول ما يمكن بقليل.

نحن لا نراهن على نهاية الصهاينة وكيانهم، ولا على اختفاء النفوذ الإيراني بمنطقتنا العربية، نحن نراهن قبلاً على انتهاء حقبة عربية مُهينة بأنظمتها التي كانت بعيدة كل البعد عن شعوبها ومصلحتها
نحن لا نراهن على نهاية الصهاينة وكيانهم، ولا على اختفاء النفوذ الإيراني بمنطقتنا العربية، نحن نراهن قبلاً على انتهاء حقبة عربية مُهينة بأنظمتها التي كانت بعيدة كل البعد عن شعوبها ومصلحتها
 

داعش هذا، خدم كل من نتصور أنه مارس نفوذاً داخل أتون الحروب الأهلية في سورية والعراق بالذات، لكن ربما أن نشاطه في سيناء كان الأكثر فاعلية ضمن تلك الخطط والأهداف، لقد خدم داعش الأنظمة التي كانت تحتاج أيضا لأن يتولد منها بعضا من هذا النفوذ مستغلةً إياه بالمزيد من الاستبداد والإجرام بالخصوم، حتى تلك الأنظمة البائدة، والتي لولاه لما عاد بعضاً منها إلى سابق عهدها وربما أسوأ من ذلك بكثير.

هناك من يراهن الآن على تلك الحرب الإقليمية المرتقبة، فمنهم من يراهن على نهاية دولة الكيان الصهيوني، ومنهم من يراهن على تدمير إيران كما دُمرت كثير من البلدان العربية، لكن لا أحد يراهن على نهاية الأنظمة العربية العميقة التي بشكل أو بآخر أوصلت منطقتنا العربية إلى هذا الوضع السريالي والمأساوي، نعم فلو نشبت تلك الحرب فإنها هذه المرة ستغير وجه الحالة الرسمية العربية إلى الأبد، حتى لو بقيت دولة الكيان.

 

لن تسمح تلك الشعوب لنفسها من جديد أن تتربى على تمجيد الأشخاص وعبادتهم، وستصنع أنظمتها المؤسساتية وستدافع عنها بشراسة، وستنتهي تلك الأجيال التي نشأت على عبادة الملوك والرؤساء

نحن لا نراهن الآن على نهاية الصهاينة وكيانهم الغاصب، كما أننا لا نراهن أيضا على اختفاء النفوذ الإيراني في منطقتنا العربية، نحن نراهن قبلاً على انتهاء حقبة عربية مُهينة بأنظمتها التي كانت بعيدة كل البعد عن شعوبها ومصلحتها، ووقت إذ سوف يصبح المثل القائل، ليتك يا بروتوس نظّفت أمريكا قبل أن تكتشفها، من الماضي وأحد الدروس المستفادة من مرحلة العصور المظلمة التي مرت بها بلادنا العربية جرّاء وجود هذه الأنظمة القذرة وتجذرها، وأثناء تلك المرحلة سوف نشهد بداية زوال الكيان الصهيوني، وكل اللاعبين الذين مارسوا نفوذا يوما ما على أرضنا العربية.

الآن عزيزي القارئ بعيداً عن تحليلات الخبراء، وتوقعات العسكريين، وآراء كبار الكتاب والصحفيين المخضرمين، ومع قليل من الكلام والكلمات وبشكل مباشر، نحن متفائلون إلى حدٍ بعيد هذه المرة، فَبَصَر تلك الأنظمة اليوم حديد، وهي تشاهد بأم أعينها ما اقترفت أياديها الظالمة، فالكون أسسه رَبُّ العِزَّة على التوازن المطلق، ونحن من ضمن الكون، وهذه المرحلة التي نشهد إرهاصات نهايتها، لا بد أن يقابلها مرحلة أخرى تتنبه فيها الشعوب العربية لعدم السماح بوجود أنظمة مماثلة مرة أخرى.

 

ولن تسمح تلك الشعوب لنفسها من جديد أن تتربى على تمجيد الأشخاص وعبادتهم، وستصنع أنظمتها المؤسساتية وستدافع عنها بشراسة، وستنتهي تلك الأجيال التي نشأت على عبادة الملوك والرؤساء من دون الله، وسينتهي مفهوم القائد الواحد الأحد، وصقر الصقور، ونسر النسور، والمعلم المُلهِم، وعالم العلماء، وشريف الشرفاء، وسليل الأمجاد. لا يمكن أن تُنتج المرحلة الجديدة مزيدا من هذه الأنظمة لا يمكن، هذا ما نراهن عليه اليوم، وهذا رأينا قبل شجاعة الشجعان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.