شعار قسم مدونات

حين كنت في الجامعة

blogs - جامعة
منذ فترة، راودتني فكرة الكتابة عن فترة الجامعة، وعن أجمل وأطرف ما لمسته خلال تلك الفترة وتعلّمته كطالب يشق أولى خطواته، تلك الفترة التي تتشكّل فيها شخصية المرء شيئا فشيئا، ليختار مسلكه في هذه الحياة، فلم أجد أجدر من اللجوء إلى تدوينات كنت أسجّلها على دفتر التدوين في سنواتي الأولى في الجامعة.

في حياتنا الجامعية، هناك قلم استلفته من أحدهم ولم تُرجعه، صديق مكّار، وصديق رائع، درجة عالية، ودرجة مُحزنة، محاضرات في الطوابق العليا، حضور متأخر، منبّه ملعون، نومة لم تكتمل، ومحاولة فاشلة للاستيقاظ، مُحاضر من المريخ، ومحاضر محبوب، جوّال يرن خلال المحاضرة، ومكان متعارف عليه للاجتماع بمَن تُحب بعد كل محاضرة، ووقت لا يكفي للمذاكرة، محاضرة مملة، ومحاضرة حلوة، وتكليفات مُتعِبة، وامتحان على غير العادة، وجوّال لعين يسرق كثيرا من وقتك، وصديق غريب لكنه محبوب، وآخر يحرّضك على التغيّب، سخرية من محاضر، سرحان طويل، لا مزاج للدراسة، سهر وكسل، شهية مفتوحة للدراسة تفقدها بعد وقت قصير. إذا كانت حياتك الجامعية تسير بهذه الطريقة، لا تقلق. فحضور الملوك دائما متأخر كما تخرّجهم، والطوابق العليا للكبار.

في حياتنا الجامعية، هناك مكان معين في حرم الجامعة، مكان له ذكرياته مع زملاء الدراسة، مكان لو غبت عن زميلك المفضل لساعات ستعرف أنه هناك دون أن تتصل به! في حياتنا الجامعية، يحدث لبعض الطلاب ألّا يعرفوا مكان المكتبة المركزية طيلة كل هذه الفصول إلا عند البدء بكتابة بحث التخرج!

في حياتنا الجامعية، لا تستغرب وأنت تذاكر أن الوقت يمر سريعا وحجم ما درسته لم يتعدَ بعض الصفحات. كثيرون في الصباح قبل الامتحان تراهم يختمون المادة بصورة سريعة، وفي غضون نصف ساعة. ومع هذا يحصدون علامات جيدة!

في حياتنا الجامعية، هناك يوم واحد على الأقل غلبك فيه النعاس، وبقيت طريح الفراش، وتخليت عن امتحانٍ قصيرٍ أو محاضرة مهمة لأجل ساعة نوم
في حياتنا الجامعية، هناك يوم واحد على الأقل غلبك فيه النعاس، وبقيت طريح الفراش، وتخليت عن امتحانٍ قصيرٍ أو محاضرة مهمة لأجل ساعة نوم
 

في حياتنا الجامعية، هناك محاضر واحد على الأقل سجّلتَ معه مادتك، حببوك فيه، وفي أسلوبه الذي خدعوك وقالوا عنه رائع، وتمنيت لو انشقت الأرض وبلعتك ولم تسمع كلامهم، وأحيانا يحدث أن يكون هذا المحاضر هو الوحيد الذي يعطيك نفس المساق.

في حياتنا الجامعية، من الطبيعي أن يرافقك زملاء رائعون، لكن يحدث أن يحرّضوك في كثير من الأحيان على التغيّب عن محاضرة أو محاضرتين، أو إضافة مساق معين لأجل أن تجتمعوا في نفس القاعة!

في حياتنا الجامعية، هناك اتصال مفاجئ في منتصف الليل من زميل كسول يسألك عن المقرر دراسته ليأتي في الاختبار يوم غد.
في حياتنا الجامعية، محاضر واحد لن تنساه، محاضر مختلف عن غيره من المحاضرين، محاضر لا يهتم لأن تنسخ الكتاب في عقلك وتأتي لتلصقه يوم الامتحان على الورق، محاضر يهمه أن تكون إنسانا ناجحا تعرف ما يناسبك بالضبط، محاضر يضحي بوقته لأجلك لا لأجل راتب يتلقاه آخر كل شهر فحسب.

في حياتنا الجامعية، لا أخف من دم الصديق الذي يكرر يوميا عليك المقولة العظيمة "أنا غايب، سجلني في الكشف حاضر!".
في حياتنا الجامعية، هناك امتحان واحد على الأقل لن تنساه، تقدمت له، وتفاجأت بعد استلام الورقة أنك لا تملك إجابات دقيقة، تملك أطراف حلول فقط. تحله وتخرج من القاعة وأنت على يقين أن معدلك لن يكون جيدا. لتتفاجأ بعلامة رائعة عند ظهور النتيجة!

في حياتنا الجامعية، مزيد من المحاضرين الذين لا يضيفون إلى رصيدك المعرفي شيئا مهما سوى تكرار المكتوب في المقرر، وصنع أسئلة من المريخ على ورق الامتحان!
في حياتنا الجامعية، هناك يوم واحد على الأقل غلبك فيه النعاس، وبقيت طريح الفراش، وتخليت عن امتحانٍ قصيرٍ أو محاضرة مهمة لأجل ساعة نوم.

في حياتنا الجامعية، يحدث أن يكون امتحانك بعد غد، ومادة الكتاب كبيرة ودسمة، من الغريب أن ذاك الشعور سيأتيك، شعور تكرار تأجيل الدراسة لهذا الامتحان إلى ليلته رغم وجود وقت كاف للدراسة له. طلاب السنة الثانية وما فوق يعرفون هذا الشعور جيدا، اسألهم عنه. العجيب أن أغلبهم يحصد نتائج جيدة!

لا أجمل من أصدقاء الجامعة، الذين جمعتك معهم مواقف رائعة، علامات عالية أم مقبولة، المحاضرات نفسها، التخصص نفسه، حفل تخرج واحد وورطات كثيرة
لا أجمل من أصدقاء الجامعة، الذين جمعتك معهم مواقف رائعة، علامات عالية أم مقبولة، المحاضرات نفسها، التخصص نفسه، حفل تخرج واحد وورطات كثيرة

في حياتنا الجامعية، حافظ على صديقٍ يضحي بوقته من أجل أن يساعدك في بحوث ومشاريع الجامعة، حتى بحث التخرج نفسه. وفي حياتنا الجامعية، سيظهر لك محاضر واحد على الأقل يُتعبك في طلب التكليفات والمشاريع والبحوث العملية طوال الفصل، ما إن تنتهي من الفصل أو سنوات الدراسة ستعرف أنه الوحيد من المحاضرين الذي أثّر فيك وصقل شخصيتك بالمهارة، ستكون شاكرا له على الدوام!

في حياتنا الجامعية، لم يكن هناك أجمل من اتصال مفاجئ يخبرك أن امتحان الغد الذي يشغل بالك أو محاضرة تتعارض مع موعد مهم قد تم تأجيلها، ولم يكن هناك أخف من دم المحاضر الذي يأخذ "الحضور والغياب" في المحاضرات الوحيدة التي تكون مضطرا فيها للغياب، كأنه استهداف مثلا.
كنا في حياتنا الجامعية حين يُغضبنا أسلوب محاضر ما نسخر منه بتقليد صوت عبارة معينة يرددها دائما.

لا أجمل من أصدقاء الجامعة، الذين تجمعك أو جمعتك معهم مواقف رائعة كانت أم محزنة، علامات عالية كانت أم مقبولة، المحاضرات نفسها، التخصص نفسه، حفل تخرج واحد وورطات كثيرة.
في حياتنا الجامعية، كافتيريا لعينة داخل الجامعة يحدث أن تسافر خارجها لتأتي بالطعام من كافتيريا جيدة.

في حياتنا الجامعية، كثير من المواقف أحزنتك أم أفرحت قلبك، مساقات أدهشتك نتيجتها أم أحبطتك، أماكن أو أشخاص يسعدك تذكرهم أم لا، يبقى عليك أن تعيش هذه السنوات بحلوها ومرها، فمن الطبيعي أن نلقى زملاء سيئين مقابل أشخاص رائعين يُلهموننا قوة التحمّل لمشاق الدراسة، يجعلون للجامعة في حياتك قيمتها، ومن العجيب أن شكوانا تكثر، وبعد التخرج في يوم وليلة تتبدل الفكرة ونصبح أكثر شوقا وحنينا إلى تلك الحياة، وهذا ما جعلني أكتب عن الجامعة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.