شعار قسم مدونات

كيف عرّض موغابي إرثه النضالي للسلب؟

DATE IMPORTED:07 October, 2017Zimbabwean President Robert Mugabe and his wife Grace attend a meeting of his ruling ZANU PF party's youth league in Harare, Zimbabwe, October 7, 2017. REUTERS/Philimon Bulawayo

الانقلاب الأبيض الذي وقع في زيمبابوي يوم 15 نوفمبر بتدبير من قائد الجيش قد أسدل الستار على حكم الرئيس الزيمباوبي روبرت موغابي -أكبر رؤساء العالم سناً إذ يبلغ عمره 92 عاما-، وهو أول رئيس لزيمبابوي بعد الاستقلال. هذا فضلاً عن أن الانقلاب قد يسلب موغابي ميراثاً حافلاً بالنضال كفيل بتصنيفه ضمن رموز حركات التحرر الأفريقية.

 

لقد كان الأجدر بالرئيس موغابي أن لا يضع نفسه في هذا الموقف الذي قد يسلبه إرثه النضالي الممتد منذ 1964 وهو تاريخ بداية دخوله السجن حيث قضى 10 سنوات بتهمة المشاركة في الحركات الوطنية المناهضة لنظام الفصل العنصري في روديسيا الجنوبية حينها المدعوم بريطانياً. وبعد خروجه من السجن دخل موغابي زخم النضال من أوسع الأبواب فأصبح زعيماً للجبهة الوطنية الأفريقية المتحدة في عام 1974 بعد خروجه من السجن مباشرة،  ثم أول رئيس وزراء منتخب  بعد الاستقلال من بريطانيا عام 1980 وأخيراً أصبح رئيساً للبلاد عام 1987. ويعتبر موغابي الأب التاريخي لزيمبابوي منذ أن انفصلت من روديسيا التي كانت تضم زامبيا وملاوي وزيمبابوي، ويحظى باحترام كبير، ليس داخل زيمبابوي فحسب بل في كل أرجاء أفريقيا، وهو خطيب مفوه تقتبس إذاعة البي بي سي من خطاباته في برامجها الخاصة بتدرس اللغة الإنجليزية. لقد صدرت نداءات من مختلف الدوائر من داخل وخارج البلاد بضرورة تنحي موغابي لا سيما بعد أن ساء الوضع الاقتصادي والسياسي للبلاد وأصبح لا يطاق بعد أن تعرضت البلاد لمقاطعة اقتصادية خانقة وما صاحب ذلك من سوء الإدارة.

 

ولكن يبدو أن موغابي وقع ضحية لطموحات المفسدين حوله وعلى رأسهم زوجته الشابة غريس المنحدرة من ضواحي مدينة جوهانسبيرج التي كانت الحاكم الفعلي للبلاد وهي كانت في عجلة من أمرها لتولي الحكم رسمياً. هؤلاء المفسدون كانوا يرون في موغابي عامل وحدتهم بالرغم من الخلافات الحادة بينهم، ولكنهم في نهاية المطاف أضاعوه وضاعوا عندما أقنعوه بأن الله هو الذي وضعه في الحكم وهو فقط من يزيله.

 

روبرت موغابي رئيس زيمبابوي الذي تم الانقلاب عليه في 15 نوفمبر (رويترز)
روبرت موغابي رئيس زيمبابوي الذي تم الانقلاب عليه في 15 نوفمبر (رويترز)

 

القائد الناجح قد لا يكون ناجحاً في كل الأوقات، إذ لكل زمانٍ رجاله، ولكن يُحسب له أنه يشرف بنفسه على الانتقال السلس للسلطة حفاظاً على مكتسباته ومكانته. كان بإمكان موغابي أن يتنحى بكرامة كما فعل مانديلا بعد أن اطمأن على استقرار الوضع السياسي إثر انهيار نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، أو جوليوس نيريري في تنزانيا الذي سلم الحكم لنائبه على حسن مويني بعد أن تأكد أنه لم يعد لديه ما يقدمه، أو كما فعل كنيث كاوندا في زامبيا. هؤلاء جميعاً هم زملاؤه في النضال ومعاصروه في إطار حركات التحرر الأفريقية. والانقلاب على موغابي ليس كانقلاب مابوتو سيسيسيكو ضد باتريس لوموبا في الكنغو يوم 17 يناير 1961، وليس كالانقلاب الذي حصل ضد نيكروما في غانا يوم 24 فبراير 1966. ذلك لأن كلاً من لومومبا ونيكروما هما من رموز النضال الأفريقي اللذين كان الانقلاب عليهما برعاية غربية خالصة بمثابة إجهاض للحلم الأفريقي، إذ كانا في أوج عطائهما وكانا "الدينمو" المحرك لفكرة الجامعة الأفريقية. لذلك فإن الرجلين قد نقشا اسميهما في ذاكرة الحركة الأفريقية بمداد من ذهب، فكان الانقلاب عليهما أنموذجاً ساطعاً للتآمر الغربي ضد الحركة الوطنية الأفريقية، وهو ما لن يتمتع به موغابي.

 

لقد شهد عهد الرئيس موغابي شداً وجذباً في إطار العلاقات مع الغرب وسجالات عديدة مع القادة الغربيين في المنابر الدولية فكانوا يهزؤون به تارة ويمتعضون منه تارة أخرى، إذ كان كثيراً ما يذكّرهم بماضيهم المظلم والفظاعات التي ارتكبوها ضد الأفارقة، غير أن الخطوة التي أقدم عليها في عام 2000 في إطار الحملة التي أسماها إصلاحات الأراضي بالاستيلاء على الأراضي المملوكة للبيض وتسليمها للمزارعين السود -لا سيما من أعضاء الحزب الحاكم- هي القشة التي قصمت ظهر البعير. لقد صاحب هذه الحملة خطاب عدائي ضد الأقلية البيضاء في البلاد ممزوجة بنغمة وطنية كان هدفها الضمني حشد التأييد للحزب الحاكم الذي بدأ يفقد مصداقيته عند الجماهير شيئاً فشيئاً، وهو ما وضح جلياً في انتخابات عام يوليو 2013 التي فاز فيها الحاكم بصعوبة إذ تراجعت شعبيته لأول مرة إلى 61.09%، بينما كانت نسبة فوزه في انتخابات 2008 بلغت 85.5%. ويبدو أن مياهاً كثيرة قد جرت تحت الجسر منذ يوليو 2013 إلى اليوم ولم يتبق نصير للحزب بخلاف "المجرمين من حول الرئيس" وأصحاب المصالح الآخرين.

 

على الرغم من أن نزع الأراضي من البيض وتسليمها للسود هو الإجراء الذي كان ينبغي على الحزب الحاكم القيام به قبل أكثير من عقدين من الزمان بموجب اتفاقية لانكاستا هاوس بين بريطانيا وزيمبابوي في 21 ديسمبر 1979، حيث كان على الخزانة البريطانية تعويض البيض الذين سيفقدون أراضيهم، فإن الطريقة التي نفذ بها موغابي هذا الإجراء قد فتح عليه عش الدبابير فتكالب عليه الإعلام الغربي بالإجماع فجعل منه شيطاناً يتعوذ منه الناس. وما هي إلا بضع سنوات حتى انهار اقتصاد البلاد وتراجعت العملة المحلية ثم اختفت تماماً وحل محلها العملات الأجنبية كالراند الجنوب أفريقي والدولار.

 

الرئيس روبرت وغابي وزوجته غريس في تجمع الحزب الحاكم 8 نوفمبر 2017م (رويترز)
الرئيس روبرت وغابي وزوجته غريس في تجمع الحزب الحاكم 8 نوفمبر 2017م (رويترز)

 

جنوب أفريقيا لها الفضل في بقاء موغابي في السلطة على الرغم من العواصف التي ظلت تضربه من الغرب. ويُعزى تمسك حزب المؤتمر الوطني الحاكم في جنوب أفريقيا بموغابي إلى مواقفه النبيلة أيام حكم نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في إيواء المناضلين الفارين من قهر النظام العنصري الذي انتهى رسمياً في عام 1992، وما تعرضت له زيمبابوي من ضربات جوية أودت بحياة الأبرياء الزيمبابويين. وقد تعرضت جنوب أفريقيا لنقد لاذع من حلفائها الغربيين بسبب حمياتها لنظام موغابي، وقد أثر موقف جنوب أفريقيا على موقف الاتحاد الأفريقي تجاه زيمبابوي عموماً إذ لم يبدِ أي مواقف سلبية تجاه موغابي. ويبدو أن الفساد الذي مارسته المجموعات التي أشار إليها الجيش بـ"المجرمين حول الرئيس" لتبرير الانقلاب كان سبباً وجيهاً يبرر زهد الداعمين من خارج الحدود وكذلك الجماهير عن إبداء أي نوع من الامتعاض ضد الجيش على ما أقدم عليه. بل على العكس تماماً، كان هناك ارتياح عام وسط الجماهير.

 

وعلى صعيد آخر فإن المواقف الخارجية إزاء التطورات في زيمبابوي تبدو خجولة. وبخلاف الاتحاد الأفريقي الذي أصدر بياناً لطيفاً يناشد فيه الجيش بضرورة الالتزام بالدستور ومفوضاً جنوب أفريقيا لإجراء إتصالات مع الجيش لتأمين سلامة موغابي وعائلته، يبدو أن الدول الغربية مرتاحة للغاية إذ عبر أعلى مسؤول عن أفريقيا في وزارة الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة تود أن ترى مرحلة جديدة في زيمبابوي وهو موقف يعبر بالضرورة عن مواقف الدول الغربية. المشاورات التي تقودها جنوب أفريقيا مع الجيش جارية حتى كتابة هذا المقال لإقناع موغابي بالاستقالة على الرغم من ممانعته التي يفهم من ورائها أنه يبحث عن صفقة تجنبه هو وزوجته غريس المساءلة.

 

ويبدو كذلك أن نائب الرئيس المقال إميرسون مغانغا والذي عاد لتوه من خارج البلاد هو الذي سيتولى فترة انتقالية إلى حين إجراء انتخابات ديقمراطية. وإذا وافق موغابي على توقيع استقالته -وهو أمر لابد منه- فهذا يعني أن تسلم مغانغا لمقاليد الحكم سوف يزيل وصمة الانقلاب على ما جرى في البلاد، وسيحظى بمباركة الاتحاد الإفريقي وبالتالي مباركة المجتمع الدولي، إيذاناً ببداية مرحلة جديدة في زيمبابوي.

 

خلاصة القول إن موغابي خاطر بميراثه النضالي في سبيل إشباع غريزة حب السلطة فهل سيحفظ له الوضع الجديد مكانته بين رموز النضال الوطني الأفريقي؟ 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.