شعار قسم مدونات

في حب القرآن

مدونات - القرآن الكريم قرآن كتاب الله

يَعلُوه الجَلال، ويَدنُوه الكَمال، وعليه المهَابة، عَزيز عَلِيّ، هالَةُ من النور الوهّاج، لا يملِك كل الناس مفاتِحَه رغم أن بابه لم يُوصد قط مُذْ أُنزل، عظيم لا مثيل له في سائر الكلام وأنَّى لمثله أن يُقَارن بغيره، إنّه بمنزلة أجُلّ من أن يصفها نُبغَاء الأدب وجهابِذة الكتابة فكيف لِعجْز حروفي أن تَفعل، إنه كلام.. لكن ليس كسائر الكلام، إنّه كلام ربِّ العزَّة.

 

"وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزٓيزٌ" لا يتَأتَّى لأحد إلا كما أراد ربُّ العزة تبارك وتعالى، ثُم هو مُتجدد أبداً لا يَتبدد، قريب بعيد، إن أسَر قلبك ملَّك لك نفسك ثم طاف بها الدنيا لم يترك منها طَرفا إلا جعل لك منه نصيبا، تجد فيه مُراد نفسك وجواب عقلك، ترى منه كل شيء، وكأن كل شيء بدأ من هناك، كيف ذاك؟! والله ما يكون ذلك إلا وحيا.

 

خيْريّته فاقَت كل شيء فهو خير الكلام على الإطلاق -كلام الله- نزل عبر خير ملك -جبريل عليه السلام- إلى خير رسول -محمد صلى الله عليه وسلم- إلى خير أمة أخرجت للناس! فالخيرية تحيطهُ كما لا تُحيط غيره .القريب منه لا يشبع والبعيد عنه متلهف إليه، يستثيرك من كل جهة وبكل أسلوب فتارة يرغبك وتارة يرهبك وتارة يسألك وتارة يحكم فيك عقلك فهو لا يملُك ولا يفقد منك الأمل بل يدنيك إليه، يواسيك في مصابك، حتى إنك لتقول وكأنه يعرفني أكثر مما أعرف نفسي .

 

إن الإعجاز القرآني العظيم ليس في مجرد ألفاظه أو معانيه ومراميه -على جلالتها- بل أنه كلام الرب الواحد الذي لا نِدّ له ولا نظير لكلامه. إن حدث التنزل الأول لهذا الكتاب المعجز لهو حدث ضخم ضخم جدا، تغير بنزوله وجه هذه الأرض من الضلالة والجهالة والظلمة الى النور والعلم والهداية .

 

لقد أعجز القرآن البرفيسور غاري ميلر وخاطبه بمنطق العلم الذي يختص به فألف كتابه المعروف
لقد أعجز القرآن البرفيسور غاري ميلر وخاطبه بمنطق العلم الذي يختص به فألف كتابه المعروف "القرآن المذهل" أفرد فيه مشاهداته وتأملاته مع بعض آيات الكتاب العزيز (رويترز)

 

وإن المرء لا يعجب من مدح الأتباع والأنصار لشيء إنما العجب في أن يقول رجل من ألد أعداء الإسلام كلاما لم يقل فيه مثله في وصف القران فقد جاء في السيرة أن الوليد بن المغيرة لقي النبي صلى الله عليه وسلم فسمع منه القران فلما عاد لقومه قال: والله إن لقوله الذي يقول لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو ولا يعلى عليه وإنه ليحطم ما تحته .

 

وبراعة القرآن جعلت بروفيسور المنطق والرياضيات غاري ميلر ينبهر به بعد أن كانت مهمته في التبشير بالمسيحية هي مبتغاه ومن أجلها قرر أن يدرس القرآن محاولا الكشف عما فيه من عيوب وأخطاء ليبرزها ويستعين بها في مهمته تلك إلا أنه تفاجئ بما لم يكن يتوقع، فقد أدهشه التسلسل المنطقي في الأفكار والمعاني، وأدهشته الدقة المتناهية التي يكتنزها كتاب الله بين ثناياه، أدهشه العلم والتطور المعرفي الذي لا يعقل أن يأتي به رجل يدعي النبوة -من وجهة نظره آنذاك- في أرض الصحراء والحياة البدائية، لقد أعجزه القرآن وخاطبه بمنطق العلم الذي يختص به فألف كتابه المعروف "القرآن المذهل" أفرد فيه مشاهداته وتأملاته مع بعض آيات الكتاب العزيز.

 

إن علاقة النبي بالقرآن منطقية ومتفهمة ولا يوجد مسلم إلا وقد سمع تعبير أمنا عائشة رضي الله عنها في وصف تحليلي دقيق لهذه العلاقة بين النبي الكريم والقرآن "كان خلقه القرآن"، والظاهر أن هذا الارتباط الوثيق انتقل إلى الصحابة شعوريا وسلوكيا، فقد ذكر أهل السيرة أن أبابكر وعمر ذهبا ليزورا أم أيمن كما كان يزورها النبي عليه الصلاة والسلام فما إن دخلا حتى بدأت الذكريات تتألق في دموع أم أيمن فقالا لها أن ما عند الله خير لرسوله.. قالت نعم ولكنني أبكي لانقطاع الوحي

 

لكل محب شوق لمحبوبه وتوق إليه، وهذا الكلام العظيم يقتضي منا حبا وتوقا كما يقتضي إجلالا وتعظيما.. وكما يقول الشاعر:

لو كان حبك صادقا لأطعته .. إن المحب لمن يحب مطيع

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.