شعار قسم مدونات

غيوم العاصفة تخيم على الشرق الأوسط

Saudi Arabia's Deputy Crown Prince and Defense Minister Mohammed bin Salman (2nd L) takes his seat to meet with U.S. Defense Secretary James Mattis and his delegation in Riyadh, Saudi Arabia April 19, 2017. REUTERS/Jonathan Ernst

في خضم التوترات المتصاعدة والحرب الكلامية المحتدمة على مستوى منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي المثخنة أصلا بالجراح والصراعات، وفي ظل أجواء يسودها الاحتقان الشديد وتضارب للمصالح والإيديولوجيات بين قطبين إقليميين كبيرين أي إيران والمملكة العربية السعودية، فإن المنطقة قد تكون مقبلة في نظر كثير من المتتبعين على منعطف جديد.

  
فالمنطقة ومنذ تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد بدلا عن ابن عمه الأمير نايف بن عبد العزيز قد باتت على الأرجح مقبلة على تطورات خطيرة من شأنها أن تعيد إلى الأذهان سيناريو حرب الخليج أو ربما أخطر من ذلك بكثير هذه المرة، بفعل تطور السياقات الجيواستراتيجية ولاسيما انهيار نظام صدام حسين الذي لطالما شكل عنصر توازن في مواجهة ما يسمى بالخطر الشيعي.

  
ولعل من إرهاصات هذه المتغيرات سلسلة التطورات التي يعرفها البيت الداخلي السعودي والمتمثلة في الاعتقالات التي طالت أمراء سعوديين من العيار الثقيل كالملياردير الأمير الوليد بن طلال والأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز وزير الحرس الوطني السابق بحجة مكافحة الفساد وسيطرة الأمير محمد بن سلمان على كافة مفاصل السلطة بالبلاد، وتقديم رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لاستقالته من الرياض في خطوة تحمل هي الأخرى بين ثناياها أكثر من رسالة إلى المشهد السياسي اللبناني الهش أصلا، وكذلك بفعل احتدام الصراع السياسي والعسكري على مستوى العديد من الجبهات التي تشكل مجالا للاستنزاف والصراع بالوكالة بين الخصمين اللدودين الإيراني والسعودي كالساحة اليمنية واللبنانية والسورية، وفي ظل استهداف الحوثيين لمطار الرياض الدولي بصاروخ باليستي، في خطوة تعد الأولى من نوعها منذ تفجر الصراع اليمني، والتهديد باستهداف المزيد من الموانئ والمطارات السعودية في رد على ما يبدو على حملة عاصفة الحزم التي تقودها العربية السعودية منذ سنة 2015 ضد الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.

 

على الرغم من استبعاد الكثير إمكانية اندلاع مواجهة مباشرة بين السعودية وإيران في رقعة جغرافية شديدة الحساسية، إلا أن احتمالات نشأة اصطفافات إقليمية تستنزف قواهما واردة جدا
على الرغم من استبعاد الكثير إمكانية اندلاع مواجهة مباشرة بين السعودية وإيران في رقعة جغرافية شديدة الحساسية، إلا أن احتمالات نشأة اصطفافات إقليمية تستنزف قواهما واردة جدا
 

ولعل ما يزيد من تعقيد المشهد هو احتمال انهيار منظمة دول مجلس التعاون الخليجي على خلفية أزمة حصار قطر والاحتقان العربي الكردي بالعراق نتيجة النزعة الانفصالية لإقليم كردستان العراق وهي نزعة ينظر إليها إقليميا بكثير من التوجس، وعجز المجتمع الدولي عن إيجاد حلول للعديد من الصراعات كالصراع السوري واليمني، وكذلك في ظل إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن اصطفاف بلاده إلى جانب المملكة العربية السعودية في أي نزاع محتمل ضد إيران وهو اصطفاف لم تُعرف حدوده بعد، فضلا عن الإعلان عن نيته تعليق الاتفاق النووي الإيراني أو على الأقل العمل على إعادة تقييمه بالتوازي مع تلويح إدارة بلاده عزمها تشديد العقوبات على إيران على خلفية برنامجها الصاروخي في خطوة لا تحظى هي الأخرى بأي إجماع داخل دول 5 زائد 1 الموقعة على الاتفاق الذي وصف حينها بالتاريخي. 

 
على الرغم من استبعاد الكثير من المحللين لإمكانية اندلاع مواجهة مباشرة أو بالأحرى حرب شاملة بين الطرفين السعودي والإيراني في رقعة جغرافية شديدة الحساسية، إلا أن احتمالات نشأة اصطفافات إقليمية ودولية جديدة في أفق استنزاف قواهما ومواردهما عبر الانجرار إلى سلسلة حروب بالوكالة ويتم من خلالها الزيادة في تسخين جبهات إقليمية كالجبهة اليمنية أو اللبنانية تبقى واردة جدا، كما أن عضويتهما في منظمة "أوبيك" قد لا تكون بمنأى عن معادلة الصراع المحتدم وهو سيناريو ستكون القوى الكبرى وحدها المستفيدة من نتائجه.

 
هذا المشهد القاتم يسائل من جديد دعاة السلام ورجالات السياسة والحكماء من الطرفين عن الخطوات السياسية اللازمة والسبل الكفيلة بتجنيب المنطقة ويلات انفجار وشيك للأوضاع يصعب بكل تأكيد التكهن بعواقبه على شعوب المنطقة ومقدراتها، وهي خطوات ستبقى مفتوحة في وجه الآلة الدبلوماسية للقطبين الإقليميين ولكافة دول المنطقة، وستظل دونما شك صعبة التبني لكن ليست مستحيلة بالمطلق في عالم السياسة، كما أنها ستكون أقل تكلفة من أي عواصف جديدة قد تضرب المنطقة، إذ ينبغي أن لا تخلو من نظرة إستراتيجية للطابع الكارثي لمآلات أي صراع تكون الورقة المذهبية أو الطائفية إحدى مرتكزاته، وفي نفس الوقت الاستفادة من تجارب تاريخية مماثلة حيث لم تثمر عن نتائج إيجابية تذكر اللهم المزيد من التفكك والضعف والمآسي الإنسانية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.