شعار قسم مدونات

النّومُ الليلي للأَطْفالِ حاجَةٌ ولَيْسَ تَرَفَاً

blogs - baby sleep sleeping

هل للنّومِ المبكّر للأطفالِ من فَوائدَ حَقيقةٍ؟

وهل بالفعلِ نومُ النّهارِ يَخْتَلِفُ عَنْ نَومِ الليلِ؟

وَهَلْ للنّومِ لَيلاً عَلاقةٌ بالانتباهِ والتّحصيل الأكاديمي؟

كَيْفَ نتعاملُ مع عادةِ الأبناءِ في نَوْمِهم الْمُتأخّر؟

 

عندما تغيبُ الشّمسُ يبدأُ الْجسمُ بإفرازِ هرمون الميلاتونين (Melatonin) الذي تُفْرِزُهُ الْغدّةُ الصّنوبريةُ الْمَوْجودةُ خَلْفَ الْغدةِ النّخاميةِ في الدّماغِ، وهذا الْهرمونُ يزداد إفرازه في الْجسم فَورَ دخولِ الطّفل في النّوم في الظّلامِ، ويَزدادُ كُلما أمْعَنَ الطّفلُ في النّومِ وأمعنَ الظّلامُ في الاستغراقِ، ويَقلّ إفرازُهُ كُلما اقتربَ الصّباحُ لِيعطيَ إشارةً إلى الْجسمِ أنّ الْوقتَ حان للنّهوضِ مِنَ النّومِ، والظّلمةُ تُعطي الْجسمَ إشارةً إلى أنّ مَوْعِدَ النّومِ قَد حانَ، وجِسمُ الطّفلِ يَحْتاجُ لأن يَستغرقَ في النّومِ من أَجلِ الْقيامِ بالْعَملياتِ الْمُناسبةِ للنّمو، ولكن وجودُ الضّوءِ يُبقي الجهازَ الْعصبي مُنتبهاً، وهذا يجعلُ الفائدةَ أقلَّ بكثيرٍ ممّا لو كانَ النّومُ في الظّلمةِ.

 

والنّومُ الليليُّ يَجعلُ العضلاتِ تَنْمو، وتصبحُ حرارةُ الْجَسَدِ مُنخفضةً، والأطفالُ الذين لا يَقدرون على النّوم إلا بوجود ضَوْءٍ فمن الْممكنِ أن نَجْعَلَ لَهم ضَوءًا لَوْنُهُ أحمر على أن لا يكونَ في غُرْفَةِ النّومِ ذاتها بَلْ في غُرْفَةٍ مُجاوِرَةٍ.

 

ولأنّ النّومَ غيرُ الْكافي للأطفالِ يُؤدّي إلى السّمنةِ الزّائدةِ، ومُشكلاتٍ في الانتباه والتّذكّرِ والاستيعابِ والتي تُؤثّرُ بِشَكلٍ مُباشرٍ على الأداءِ الأكاديميّ والتّواصلِ الاجتماعيّ، بَل والْخطرُ يَنمو ويتمدّدُ إذا لازم السّهرَ للأطفالِ الجلوسُ أمامَ الشّاشاتِ سَواءً لِمُشاهدةِ أَفلامِ الْكرتونِ أو إن كانَ مِنْ خِلالِ اللعبِ على الْهواتفِ الذّكيةِ، فالجلوسُ وَحْدَهُ لِساعاتٍ أَمامَ هَذهِ الشّاشاتِ كَارثةٌ، والكارثةُ تتضاعفُ إن كانَ قَبْلَ النّومِ؛ لأنّ الدّماغَ يَسْتَمرّ بالعملِ ومَادتُهُ الأفكار التي تَلقاها قَبْلَ النّومِ، وتُصْبِحُ الْكارثةُ أكبرَ عِنْدما نَعْلَمُ أنّ الْعَقْلَ اللّاواعي هو الْمسؤولُ عَنِ السّلوكِ، والسّلوكُ يَتغذّى مِنَ الأفكارِ التي تَلقّاها الدّماغُ، فَكيفَ سَيكونُ السّلوكُ الناشئ عَن ساعاتٍ طويلةٍ لِمدةٍ طَويلةٍ من الليالي والدّماغُ يَتغذّى على ما تَبثّهُ الشّاشةُ مما هبَّ ودبَّ؟

 

ولا بُدّ مِن الإشارةِ هُنا إلى أنّ الطّفل الذي يُغمضُ عَيْنَهِ والضّوءُ مَوْجودٌ في الْغرفةِ فإنّ الْهرمونَ لَنْ يُفْرَزَ، والْفائدةُ مِن النّوم لَنْ تتحصلَ؛ لأنّ الْجفنَ لِيعطي إشارةً إلى أن النّور ما زال مَوجوداً.

 

undefined

 

وتبقى الدّراساتُ تتضافرُ على أنّ النّومَ الكافي للأطفالِ يَجْعَلُ من استعدادِهم الأكاديميّ والْمَهاريّ أكثرَ مِن الأطفالِ الذين لا يتمتعونَ بِنومٍ كافٍ بالإضافةِ إلى الْمزاجِ الصّعبِ الذي يَظْهَرُ على الأَطفالِ من قليلي النّومِ، وهَذِهِ إشارةٌ واضحةٌ إلى أنّ التّفوقَ بالحياةِ يَعْتَمِدُ على الموازنةِ بينَ النّومِ والْيَقَظَةِ بلا إفراطٍ ولا تَفريطٍ.

 

ومما يُعينُ الأطفالَ على النّومِ الْمُبكّرِ:

1. إيجادُ قانونٍ في البيتِ مِلاكُهُ أنّ جميعَ الأَجهِزَةِ يَتمّ إغْلاقُها قَبْلَ مَوعِدِ النّومِ بِساعتينِ مِنْ أجلِ الْبدءِ بالانشغالِ بأشياءَ مُفيدةٍ مِثْلِ القراءةِ أو اللّعبِ اليدويّ أو الْجلوسِ للتحدّثِ ويَكونُ هذا الْقانونُ شامِلاً لكلّ الْبيتِ مِنْ أَجْلِ التّعوّدِ عَليْهِ مِنَ الْجميعِ، وإن كانَ هنالكَ استثناءاتٌ يتمُّ الاتّفاقُ عَليها مع بَيانِ السّببِ  كقولنا للأطفالِ إنّ والِدَكُم أو والِدَتُكُم لَديهِ مَجموعةٌ مِنَ الأعمالِ التي يجبُ أن يُنجِزَها على الْحاسوبِ أو عَبْرَ هاتِفِهِ الْخاص.

 

تَبقى الْقيمةُ الفعليةُ والعمليةُ للنومِ الليلي للأطفال ذاتَ أهميّةٍ مَركوزةٍ كُلّما كانَ الْوالدانِ هُما النموذجَ الأمثلَ والْقدوةَ التي ينشأُ عَليْها الطّفل

2. وضعُ تَعْزيزٍ يَتمّ الاتفاقُ عَليهِ مِنْ قِبَلِ الْوالدَينِ والأبناءِ، وبناءً على الالتزامِ لِفترةٍ مُحدّدةٍ مَثلًا: أن نقولَ لَهُم إنْ ذَهبتم إلى النّومِ في السّاعةِ الْمُحدّدةِ واستيقظتم في الْوقتِ الْمُحدّدِ صَباحاً سَتكونُ هُنالكَ مَساحةٌ من السّهر في نِهايةِ الأسبوعِ، ويجب إن نَحْرِصَ على الصّدقِ في اتفاقاتِنا مَعْ أبْنائِنا.

 

3. الحرصُ على عَدَمِ جَعْلِ الأطفالِ يَنامونَ في النّهار لساعاتٍ طَويلةٍ.

 

4. الحديثُ المتكرّرُ عَنْ الْمُقارنةِ بَيْنَ فَوائِدِ النّومِ الْمُبكّرِ ومَضارِ النّومِ الْمُتأخّرِ ويكونُ مِنْ خِلالِ جَعْلِ الأطْفالِ هُمُ الأَمْثِلَةَ وهم الذينَ يَتَحدّثونَ عَنْ مُميزاتِ ومَضارِ كلٍّ مِنهُما.

 

5. التّواصلُ مع مُعلمي المدرسةِ مِنْ أَجلِ التّكثيفِ والتّكثيرِ مِن الْحديثِ حَوْلَ هذا الأمرِ وأهميتهِ أَمامَ الأطّفالِ مِنْ خِلالِ الْقصّةِ أو الدّراما.

 

6. تَظافرُ وسائلِ الإعلامِ بأنواعها من أجل الحضّ على الْفوائدِ الْعمليّةِ للنّومِ، وفَتحِ الْبابِ للمختصّينَ للحديثِ عن أهميتهِ والفوائدِ المترتّبةِ عليهِ.

 

وبعدَ كلّ ما تَقدّمَ تَبقى الْقيمةُ الفعليةُ والعمليةُ للنومِ الليلي للأطفال ذاتَ أهميّةٍ مَركوزةٍ كُلّما كانَ الْوالدانِ هُما النموذجَ الأمثلَ والْقدوةَ التي ينشأُ عَليْها الطّفل. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.