شعار قسم مدونات

فوضى التطوع!

SYDNEY, NEW SOUTH WALES - OCTOBER 20: Volunteers pack meals during Zambrero's meal packing day on October 20, 2017 in Sydney, Australia. More than 1,700 volunteers across Australia come together on Meal Packing Day to package meals for those in need overseas. (Photo by Brook Mitchell/Getty Images for Zambrero)

ما يقارب 5700 جمعية مسجلة في الأردن منها الخيري ومنها العائلي ومنها التعاوني ومنها القانوني وتطول لائحة الأنواع. أي جمعية لكل 12000 مواطن! لو أن كل هذه الجمعيات بمختلف أنواعها تعمل بصدق وحرفية وعدل وتساوي لكنا في مقدمة الدول بل الدولة الأقوى في العالم وما كنت لتجد منظمات العالم تتهافت لنجدتنا من الهاوية كما يظنون!
   
تخيلوا معي السيناريو الآتي: سبعة أصدقاء أو أفراد عائلة مجتمعين في "مقهى العقول الراقية" حول طاولة يحتسون القهوة ويفكرون في أنفسهم ومجتمعهم وقضاياه وهذا التفكير بحد ذاته خيّر وجميل، ومع الرشفة الأخيرة للقهوة كانوا قد كتبوا النظام الأساسي للجمعية التي أنشئت في المخيلة ووزعوا الأدوار بينهم السبعة. وسبعة آخرون في مطعم "المثقفون" المجاور يتناولون العشاء ويفكرون في أنفسهم ومجتمعهم وقضاياه فكتبوا النظام الأساسي للجمعية التي أنشأوها في مخيلتهم. علماً أن سبعة هو نصاب إنشاء جمعية وتسجيلها!
   
ذهب الفريقان وسجلا الجمعيتين وكان لهما النظام ذاته والأهداف ذاتها والفئة المستهدفة ذاتها وعند النزول على الميدان بدأوا بالتنافس الصبياني وسياسة البقاء للأقوى ولم يعلموا أن هناك مئات الجمعيات الأخرى سجلت للغاية ذاتها. ليس لأصابعك نفس الصفات! فالصالح والطالح والمنافق والصادق والأمين والفاسد والمحب للظهور وفاعل الخير المتخفي كلهم أفراد للمجتمع وكلهم يخوضون تجربة العمل التطوعي لشيء ما بأنفسهم. فتخيل معي يا رعاك الله فوضى التطوع!
   
إيجابيات العمل التطوعي كثيرة لا يمكن صرف النظر عنها، فالعمل التطوعي كمصطلح أصبح شائعاً بين أفراد المجتمع وهذه إيجابية كنا نتطلع إليها منذ أعوام ولكن لا يفهم هذا المصطلح الكثيرون. نجد الكثير والكثير من التخبط في العمل التطوعي والعمل المجتمعي، والفئات المستهدفة أصبحت نفسها إلى حد كبير. أصبح موضة حسنة ولا يمكننا وصفها بالموضة السيئة فلا يمكننا القول لشخص يتطوع إنه مخطئ -حتى وإن أخطأ- لأنه بالنهاية تبرع بوقته لخير بافتراض حسن النية.

 

undefined

 
 
أما عن أكبر التحديات التي تواجه العمل التطوعي والمجتمعي فهي التنافس بين الفرق التطوعية والجمعيات، الذي يتحول مع مرور الوقت تنافس عقيم أعمىً لا يُثمر شيئا، فيا حبذا لو نرى تعاوناً وتكافلاً وائتلافاً مثمرا إيجابيا فاعلا بدل التنافس لأجل التنافس فقط! فمثلاً لو كان هناك اتحاد نشيط للجمعيات يكون دليل يوجه الجمعيات للعمل ويجمع كافة الجمعيات والمبادرات على طاولة مستديرة يتباحثون فيها سبل التعاون فيما بينهم لتوسعة دائرة الاستفادة.

 
 
إضافة إلى ذلك كله، نرى اليوم ربط العمل التطوعي بالفقر أو الجوع أو المرض أو الحرب فقط وكأنه حكراً فقط على هذه الظواهر متناسين تماماً أن أي فعل خيّر دون مقابل هو تطوع. فإزاحة الأذى عن الطريق تطوع، مساعدة الطالب للطالب الجديد تطوع، التعاون في تنظيف المنزل تطوع، تحضير الطعام للعائلة تطوع، الكلمة المحفزة تطوع، الابتسامة في وجه الناس تطوع، تنظيف الشارع تطوع، قراءة قصة لطفل تطوع.. حتى نصل إلى أن أي عمل خيّر صغير كان أو كبير لا نطلب مقابله مكافئة هو تطوع! قد تختلف أساليب البشر في فعل الخير والتطوع وليس لأسلوب أفضلية على أسلوب آخر.

 
 
وأنهي كلامي برسالة أوجهها للمتطوعين كافة: منّ الله على الإنسان بالعقل، الكرامة وعزة النفس فحذاري أن تسلبها من شخص آخر لتظهر أنت بصورة البطل الخارق فأنت لست بالبطل ولا تعلم متى تتبدل الأحوال فيصبح المحتاج قادر والقادر محتاج فضع نفسك في مكان من تساعد وعامله كما تحب أن تعامل. أنت المستفيد الأكبر من عملك التطوعي لما فيه من تهذيب النفس والروح.

 

لا تجلد ذاتك إذا لم تتمكن من حل مشاكل العالم فقد يكون دورك لم يأتي بعد. وتأكد أن أي فعل بسيط، عمل صغير أو حتى حدث عشوائي قد يكون له أكبر الأثر والتغيير "فأثر الفراشة لا يرى ولا يزول" كما قال محمود درويش.

خلقنا الله خليفة له في الأرض وكلٌ منا له رسالة وهدف ومغزى. فلنكن خير خليفة خلقها الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.