ويستمر خطاب الأخرق ترمب أنّ هذه الخطوة تصبّ في صالح "مساعي السلام بين إسرائيل وفلسطين"، إذ أنّ ترمب لا يرى أيّ تضارب بين إعلان القُدس عاصمة إسرائيل وبين ابتلاع الحق الفلسطينيّ في هذه الأرض، بكون السلام كما يفهمه ترمب هو تنازل الفلسطينيين عن أرضهم، فمفهوم السلام فضفاض إلى درجةٍ تجعلُ من معناه التنازل عن الحقّ في الوجود، وهذا ما يؤكده خطاب ترمب الذي لم يلتفت إلى الحديث عن فلسطين في خطابه وذكرها إلا بشكل هامشيّ، سوى ببعض الجمل المرتبطة بالسلام.
هذه الاستراتيجيّات الجديدة التي طرحها ترمب تتضمنُ استراتيجيّات مختلفة نحو القضيّة الفلسطينيّة، يمكن تلخيصها "بصفقة القرن" التي ظهرت مع وصوله إلى الحكم. وكنتيجةٍ لزيارة ترمب للسعوديّة، قادت السعوديّة عدد من الأحداث الخارجيّة في المنطقة، أبرزها مقاطعة قطر واللعب بالشأن اللبنانيّ الداخليّ، وداخليًا بسجنِ عدد من أصحاب النفوذ السعوديين وتغيير بعض القوانين في المملكة، كلّ هذا تحت مسمّى محاربة الإرهاب والفساد.
وهنا يظهر اسم ولي العهد السعوديّ الجديد، محمد بن سلمان الذي يحاول جاهدًا تثبيت كرسيّه في الحكم ومصالحه الشخصيّة على حساب القضايا التي تعيشها المنطقة، فقبل إعلان ترامب القُدس عاصمة إسرائيل، كان قد اقترح بن سلمان على رئيس السلطة الفلسطينيّة، محمود عباس، أن يتخذ الفلسطينيون "أبو ديس" عاصمةً لهم وأن يتنازلوا عن القدس الشرقيّة! ووفقًا للمصدر، فإنّ بن سلمان قد أخبر عباس بأنه "إذا لم يقبل بالتسوية المطروحة فإنه سيتم الضغط عليه من أجل الاستقالة لإفساح المجال أمام بديل يرضى بها"، فيبدو أنّ هناك اتفاق بين ترمب الذي يرى بالسلطة الفلسطينيّة أنها تغذي العنف والكراهية ويطالبها بوقف مخصصات الأسرى والشهداء، وبين النهج الذي تجاهر به السعودية مؤخرًا إزاء القضيّة الفلسطينيّة والافتخار بالعلاقات السعوديّة- الإسرائيليّة.
كل هذه المعلومات تبدو مألوفة، ولكن إذ ما رأيناها بعينِ صفقة القرن، التي جرى الحديث عليها بين إسرائيل، أميركا، مصر والأردن، رغم انكار غالبيّة الأطراف، تقضي بتوطين الفلسطينيين في سيناء بعد عمليّة من تبادل الأراضي، هذا المشروع طرحه ترمب بكل حماس ولا بُدّ أنّه ينوي تنفيذه رغم علمه برفض الفلسطينيين التام له ولكن تعاون بعض الدول العربيّة معه سيجعل من هذه الصفقة المستحيلة ممكنة جدًا، فهي صفقة اعتنت بالشقّ الاقتصاديّ على أساس ربحيّ إغرائيّ أيضًا وليس سياسيّ فقط، ولا شكّ أنّ أوّل خطوة لتحقيق هذه الصفقة إن كان ترمب ينوي تنفيذها هو إعلان يهوديّة القُدس.
لماذا؟ لأنّ ما تحملهُ القُدس من رمزيّة دينيّة تعتبرُ السقف الأعلى في نفوس الفلسطينيين، إن كُسرَ هذا السقف لدى الفلسطينيين وتمّ إعلان القدس عاصمة إسرائيل اليهوديّة وقبل الفلسطينيون به، فإنّ هذا يُمكّن الأطراف كافّة من حلّ القضيّة الفلسطينيّة كما شاؤوا بعوائق أدنى، فتأكيد ترمب في خطابه بأنّ إسرائيل وعاصمتها القدس كانت وستبقى للأبد يهوديّة يعني أنّ الصراع في فهم ترمب هو دينيّ وليس سياسيّ، وإن كانت جملتهُ عابرة إلا أنّها أكّدت أنّه "إن تجاوز الفلسطينيون فكرهم الدينيّ نحو القُدس، فهذا يعني السّلام الذي سيُمنح لإسرائيل للأبد".
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.