شعار قسم مدونات

فلسفة غوارديولا.. "عشان ما تنضربش على قفاك!"

blogs مانشستر سيتي

هل تملك القدرة على هزيمة بطل العالم الحالي؟  في كتاب "خصوصية بيب"، تناول المؤلف جانب من العشاء السري بين جوارديولا وكاسباروف أسطورة الشطرنج الأولى على مر التاريخ، مع تركيزه على هذا السؤال الغامض. سأل بيب صديقه وقتها عدة أسئلة خاصة بالبدايات وكيف وصل إلى هذا المستوى، ليتذكر كاسباروف النهائي في 85 ضد كاربوف والفوز التاريخي لجاري، وقتها شعر وأن القادم سيكون له، وصدق حدسه بالتفصيل. كاسباروف قال لبيب كلمة غريبة، أنه يمكنه الفوز على بطل العالم الحالي، لكن من المستحيل فعل ذلك!

 

إجابة مهندس الشطرنج لم تقنع مؤسس كاتدرائية التكتيك الجديد في أوروبا، ليسأله من جديد، ما دمت قادر على الفوز، لماذا اعتزلت ولم تهزم البطل الجديد؟ لتأتي الإجابة كما هي من دون زيادة أو نقصان، نعم لدي القدرة لكن هذا الأمر مستحيل الآن.

 

مضت الأيام وفكر حليق الرأس كثيرا في كلمات أسطورة الشطرنج، هو رجل لا يملك الطاقة للاستمرار، لا يقدر على اللعب لخمس ساعات متواصلة مثل البطل الصغير، لذلك قرر الابتعاد. مثله تماما حينما قرر الرحيل عن برشلونة بعد أربع سنوات خالدة، وكرر الأمر فيما بعد رفقة بايرن، عندما رفض التجديد وقرر خوض مغامرة جديدة في إنجلترا، البلد المعروف بقوة بطولته المحلية وشدة المنافسة فيها، وكأنه أراد تحديا جديدا مختلفا عن سابقيه، لقد ذهب إلى البريمرليغ من أجل فرض أسلوب لعبه، شخصيته، طريقة تفكيره، فلسفته، على هؤلاء الذين يرفضون كل ما هو جديد، ويُعرفون بأنهم شديدو التعصب لتقاليدهم.

 

(1)

فاز مانشستر سيتي بكل مبارياته بالدوري وتعادل فقط أمام إيفرتون، وضمت التشكيلة الأساسية 9 لاعبين من الموسم الماضي، هم "أوتاميندي، ستونز، ديلف، فرناندينيو، دي بروين، سيلفا، جيسوس أو أجويرو، ساني، وستيرلينج"

هناك أسباب عديدة لتفوق فريق بيب هذا الموسم، تفادي أخطاء العام الماضي، التكيف بين المدرب واللاعبين، التوفيق في بعض المباريات، زيادة خبرة المدير الفني نفسه ومعرفته بالأجواء المغايرة، وبالطبع الصفقات الجديدة في الصيف.

 

للنجاح مفاهيم عديدة من المستحيل حصرها في سبب أو عامل واحد، لكن من الظلم والمجحف نسف كل هذه النظريات، والحديث فقط أن المال هو السبب الرئيسي في تحول السيتي من فريق فاشل بالموسم الفائت إلى أفضل فرق المجرة خلال الفترة الأخيرة، عفوا هذه النظرة بها قصور حاد وتنم عن حقد دفين لا علاقة له بالمنطق.

 

عند الحديث عن المال يجب ذكر الأرقام، وبدراسة إحصاءات الميركاتو لمعظم فرق القارة العجوز، سنجد أن مان سيتي جلب صفقات صيفية بقيمة 250 مليون يورو، وباع لاعبين بقيمة 95 مليون يورو، أي أن صافي البيع والشراء هو 155. الجار مانشستر يونايتد على سبيل المثال اشترى نجوم بقيمة 165 مليون يورو، وباع فقط بـ 11، ليكون الصافي 153، رقم يقل فقط عن السيتي بـ 2 مليون يورو. حتى على مستوى أكثر المدربين إنفاقا في التاريخ، هناك من يتفوق على جوارديولا في هذا الجانب، مورينيو أولا وأنشيلوتي ثانيا وبليغريني ثالثا، كل هؤلاء دفعوا أكثر من الكاتلوني في السوق.

 

هناك أسماء لا تدفع كثيرا، مثل بوكيتينو وسيميوني زمان وغيرهم، لكن هؤلاء يتم وضعهم في "الجانب الآمن"، أي أن فوزهم بالبطولات من عدمه لن يفرق، سيظل ماوريسيو هو المكافح الرائع العظيم الذي يفوز بأقل مقومات، ورجل التمثيل المشرف، وأسطورة صناعة النجوم، لكن في النهاية سواء فاز أو خسر، لن يهاجمه أحد، فقط هو رجل صُنع للمديح. كرة القدم صناعة، كل مدرب يختار الجانب الذي يفضل التواجد فيه. لكن هذه الأمثلة غير قابلة أبدا للمقارنة عند الحديث عن جوارديولا وأقرانه، لأنهم قرروا منذ اليوم الأول تجربة حظهم مع الكبار، ولن يرضوا بأقل من ذلك، طبيعي إذا كنت طبيب ممتاز يعرفك الجميع، فإنك لن تعمل في مستشفى أقل من خمس نجوم، وسيهاجمك الجميع عند فشلك في إجراء عملية ما، كما سيعود هؤلاء للحديث عنك بالخير عند وصولك إلى سبق طبي جديد، هي إتجاهات حياتية وكل واحد يختار مساره، ليدفع الثمن عند السقوط ويجني المجد مع النجاح.

 

(2)

فاز مانشستر سيتي في كل مبارياته بالدوري وتعادل فقط أمام إيفرتون، وضمت التشكيلة الأساسية 9 لاعبين من الموسم الماضي، هم "أوتاميندي، ستونز، ديلف، فرناندينيو، دي بروين، سيلفا، جيسوس أو أجويرو، ساني، وستيرلينج"، أما الثنائي الجديد فيبدأ بالحارس إيدرسون، البرازيلي الذي هاجمه الكثيرون لأنه غير معروف إعلاميا، والظهير والكر لاعب توتنهام السابق، مع التأكيد على بعض الملاحظات البسيطة، كعدم وجود أي لاعب من السيتي في قائمة أفضل 10 لاعبين في العالم -فرانس فوتبول-، وأن دي بروين رقم 14 مثلا في القائمة.

 

ضم الفريق أيضا أكثر من مدافع وظهير، المركز الذي عانى منه هذا الموسم، الظهير مثلا هو المركز الأبرز حاليا، والدليل أن ريال مدريد أفضل فريق في 2017، لديه مارسيلو وتعاقد مع ثيو هيرنانديز، يملك كارفخال ويطمح في ضم لاعب جديد حتى مع تواجد حكيمي، دون نسيان معدل أعمار القادمين لمانشستر سيتي 23 سنة، مقارنة بمعدل أعمار الراحلين 25.5 سنة، وهي الملاحظة التي أتعبت جوارديولا كثيرا، فمعدل أعمار فريق السيتي في موسم 2016-2017 كان 28 عام ونصف، بينما هذا الموسم أصبح 27 عام، ليتخلص من كولاروف، سانيا، كليشي، زباليتا، أربعة أظهرة فوق الثلاثين، مما أجبره على ضم أكثر من لاعب في هذا المركز بالتحديد، دانيلو، والكر، ميندي، كل هؤلاء يلعبون في الدفاع، مه لحارس مرمى وصانع لعب.

 

سجل ستيرلينج 7 أهداف طوال الموسم الماضي، ليسجل 11 هدفا حتى الآن هذا الموسم، أما ساني فكان له 5 أهداف في 26 مباراة، ليصل إلى الرقم 6 بالوقت الحالي رغم عدم وصولنا للكريسماس
سجل ستيرلينج 7 أهداف طوال الموسم الماضي، ليسجل 11 هدفا حتى الآن هذا الموسم، أما ساني فكان له 5 أهداف في 26 مباراة، ليصل إلى الرقم 6 بالوقت الحالي رغم عدم وصولنا للكريسماس
 

(3)

نأتي لكرة القدم وهذا الأهم، أصيب ميندي بقطع في الرباط الصليبي، الظهير الأيسر الوحيد في فريق السيتي، ليواجه جوارديولا الموقف بشجاعة، لم يبكي على الأطلال ويعيد ويزيد في كل مؤتمر صحفي مثل غيره، ليستعين بلاعب الوسط المنسي ديلف، ويضعه على الطرف كظهير داخلي، من أجل تقوية الارتكاز وحماية الفريق عند المرتدات، وإتاحة الفرصة لانطلاقات ساني على الخط، والحصول على خيار الرجل الحر البعيد عن الرقابة. ويعرف المتابع الجيد للسيتي سوء الحالة الهجومية للفريق، وضياع عديد الفرص السهلة، ليتخلص بيب من هذا الصداع بتقوية خط الوسط، خصوصا بعد عدم ضم مهاجم جديد، ليسجل كلا من ستيرلينج وسيلفا ودي بروين أهدافا غزيرة هذا الموسم، مع تحويل رأس الحربة إلى عامل جذب لدفاع الخصوم بالحركة المستمرة من دون الكرة، كما حدث ضد تشيلسي في لندن.

 

عُرف عن أوتاميندي التهور وستونز الأخطاء الساذجة، لكن هذا الموسم انقلب الأمر للنقيض، بعد قيام المدافع الإنجليزي بالبناء من الخلف بينما تكفل الأرجنتيني بالقطع والعرقلة، مع حماية تامة من فرناندينيو بالانقضاض في ألعاب الهواء، ليتم حماية السيتي من مخاطر الكرة الثانية المعروفة في الأوساط البريطانية. وبدلا من تركيز اللعب على نجم واحد يسهل توقعه، وضع المدير الفني ثنائية جديدة في المنتصف، دي بروين وسيلفا في المركز 8، البلجيكي يعود للخلف في الحالة الدفاعية، بينما الإسباني يستحوذ ويتحول للطرف كجناح وهمي، مع قدرة الثنائي على التسديد والتسجيل والصناعة من العمق والأطراف، ليستحيل تحديد مركز خططي صريح لكلا منهما داخل الملعب.

 

سجل ستيرلينج 7 أهداف طوال الموسم الماضي، ليسجل 11 هدفا حتى الآن هذا الموسم، أما ساني فكان له 5 أهداف في 26 مباراة، ليصل إلى الرقم 6 بالوقت الحالي رغم عدم وصولنا للكريسماس. الأمثلة كثيرة للغاية وتحتاج إلى مقالات تفصيلية للحديث عن تغير السيتي تكتيكيا هذا العام، بعيدا عن الجانب المالي الذي يذكره البعض فقط، لدرجة أن صحيفة التايمز وضعت تقريرا مفصلا عن التطورات الخططية الذي أحدثها جوارديولا مؤخرا، كتحسين جودة لاعبيه، وعدم استقبال أهداف سهلة من كرات ثابتة، مع تسجيل الأهداف بأكثر من طريقة بعيدة تماما عن التيكي تاكا، كالمرتدات وألعاب الهواء والعرضيات والتسديدات من بعيد واستغلال الركنيات والكرات الثابتة، في دلالة واضحة على نسف فكرة الفوز بالفلوس فقط، وخداع الجماهير بعبارات كاذبة، مع حصر جمال كرة القدم في مجموعة مغالطات تضر بالمشجع في النهاية، وتجعله مضحوكا عليه!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.