شعار قسم مدونات

هل كان ابن خلدون أناركيا

blogs ابن خلدون

يعتبر المفكر الإسلامي الأندلسي اليماني الأصل عبد الرحمن ابن خلدون هو مؤسس علم الاجتماع وأول من وضع أسس هذا العلم ومراحل تطور الدولة ومفهومها وقد صاغ ذلك في مقدمته الشهيرة التي كتبها في سنة 1377م ويشير فيها بتفصيل أسس قيام الدولة ومفهومها وماهيتها. ويعرف ابن خلدون الدولة إنها الامتداد الزماني والمكاني لحكم عصبية ما وقد اقترنت الدولة عنده بالسلطة والحكم والحاكم فترى تلك المصطلحات كأن لها مفهوما واحدا في كتابه العبر وديوان المبتدأ والخبر.

وعن كيفية نشوئها يرجع الفيلسوف العربي نشوء الدولة إلى عدة عوامل أهمها رابط الدم والقوة بالتالي نشأت الدولة على مبدأ العنف وكأداة تستخدم داخليا للردع وخارجيا من أجل تأمين هيبة الدولة وبالتالي ظهور فكرة الخضوع السياسي من قبل الغالبية لأقلية عصبية امتلكت القوة وأنشأت الدولة. ثم ينتقل ابن خلدون ليتناول عمر الدول وقد شبهها بالكائن العضوي في مختلف أطوار نموه من مرحلة التكوين حتى مرحلة الترهل والسقوط إذ يمزج فيلسوفنا الاجتماع بعلم الفلك وعلاقته بعمر الإنسان حيث يقول أن عمر الإنسان يتراوح بين الخمسين والمائة وعشرين سنة وكذلك الدول وإن كل جيل من أجيال الدولة عمره الوسطي أربعون عاما.

وإذا ما أسقطنا مفاهيم اللاسلطوية التي وضع أسسها المفكر الروسي ميخائيل باكونين على ما كتبه ابن خلدون الذي سبقه بمئات السنين سوف نجد كثير من التقاطعات بين كلا المفكرين ففي إشارته لتعريف الدولة يصرح باكونين أن الدولة أداة قمعية وسلطة ردع فيقول في كتابه الله والدولة سنة 1882م: حيث تبدأ الدولة تنتهي الحرية الفردية والعكس صحيح إلى أبعد من ذلك توسع باكونين في مفهوم الدولة الاحتلالي والإخضاعي فيقول لا أحد اليوم ينكر أن الغزو أو الاحتلال هو الهدف المعترف به للدول الحالية الكبرى لكن يقال لنا أن الدول المتوسطة أو الصغرى تفكر فقط بالدفاع عن نفسها وسيكون من السخيف أن تحلم بغزو غيرها اسخروا كما تشاؤون لكن هذا هو حلمهم مع ذلك كما هو حلم أصغر فلاح أن يزيد ملكيته على حساب جاره أن يوسعها أن يكبر أن يحتل وبأي ثمن.

يقول ابن خلدون إذا عمَّ الفساد في الدولة فإن أولى مراحل الإصلاح هي الفوضى وهذا المنظور الفلسفي انعكس على كتابات باكونين الذي كرس حياته دفاعا عن الفوضى واللاسلطوية كطريق للثورة
يقول ابن خلدون إذا عمَّ الفساد في الدولة فإن أولى مراحل الإصلاح هي الفوضى وهذا المنظور الفلسفي انعكس على كتابات باكونين الذي كرس حياته دفاعا عن الفوضى واللاسلطوية كطريق للثورة
 

ثم ينتقل ليقارب ابن خلدون في ماهية الدولة وارتباطاتها بالشر حين يقول أن نزعة العنف والسلطة هي نزعة قاتلة متأصلة في كل دولة مهما كان كبرها ضعفها قوتها لأنها ضرورة صادرة عن طبيعتها. وأن الدولة لها عمر من حيث طريقة نشوئها وسقوطها فهو المفكر الاشتراكي الوحيد الذي تنبأ بسقوط الامبراطورية الشيوعية وهنا قارب عمر الدولة السوفياتية من مقياس ابن خلدون حيث دامت حوالي سبعون عاما. وقد صرح بسقوطها لأنها قامت على أسس ديكتاتورية أي على مفهوم شرير من حيث المبدأ وفكرة طغيانية جديدة تكرس سلطة الغرباء الجدد كما سبق لسلطة القياصرة فرض سلطتها وبالتالي فهو يقارب مفهوم عمر الدولة الخلدوني وأطوارها وأسباب سقوطها وهي إعادة إنتاج الدولة القيصرية ولكن تحت مسمى دكتاتورية البروليتاريا.

ومن حيث التقارب الفكري يلتقي الطرفان على أساسيات اللاسلطوية أو الأناركية من حيث الفوضى كطريق في علاج الفساد المترهل في العمر الأخير من الدول فيقول ابن خلدون إذا عــمَّ الفــساد فــي الــدولــة فــإن أولــى مــراحــل الإصــلاح هــي الفــوضى. هذا المنظور الفلسفي انعكس لاحقا على كتابات باكونين الذي كرس حياته دفاعا عن الفوضى واللاسلطوية كطريق دائم للثورة والحرية الاجتماعية فيكتب في إحدى مقالاته:

"إننا لا نخشى الفوضى إننا نستحضرها، إننا مقتنعون أن الفوضى هي التعبير الغير مقيد للحياة المتحررة للشعب، يجب أن يصدر النظام الاجتماعي الجديد عن الحرية المساواة وقوى الثورة نفسها ضد الرجعية".

بعد هذا الفارق الزمني بين المفكرين والذي يقدر بحوالي خمسمائة سنة وبعد هذه المقاربات البسيطة والنظرة السريعة على فلسفة الباحثين ومدى تقارب وجهات نظرهما إزاء الدولة والفوضى لنا أن نطرح سؤال المواجهة الواضح في هذا الزمن المترهل بالأنظمة والفساد سؤالا نتوجه به إلى التنظيمات الثورجية التي ازدحمت أدبياتها ومنابرها بالأراء الخلدونية التي يعتبرها كثيرون أنها أسس علم الاجتماع وأسس اليسار كما كتب لينين وماركس في مذكراته. سؤالا يطرح باب الفضول والاحتمال هل كان ابن خلدون أناركيا ومهد لمبادئ اللاسلطوية ولماذا تم تغيبها عن أدبياتنا ومجتمعاتنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.