شعار قسم مدونات

فاعترفوا بذنوبهم..

U.S. Vice President Mike Pence stands behind as U.S. President Donald Trump holds up the proclamation he signed that the United States recognizes Jerusalem as the capital of Israel and will move its embassy there, during an address from the White House in Washington, U.S., December 6, 2017. REUTERS/Kevin Lamarque TPX IMAGES OF THE DAY

لا يضيع كثير من الأمريكيين الفرصة للتعبير عن مدى أسفهم عن أفعال رئيسهم الأمريكي دونالد ترمب، يحدث هذا منذ انتخابه وحتى اليوم في كثير من المناسبات وفي كثير من المحافل وفي مقالات ومحاضرات وغيرها ومع استمرار مفاجآته للعالم وصدماته الواحدة تلو الأخرى وآخرها اعترافه بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي.

 

ورغم أن خبراً كهذا نزل على بلادنا العربية والإسلامية كالصاعقة، لكنه هنا بدا خبراً عادياً من أخبار الرئيس اليومية لم يسترعِ الانتباه سوى من المهتمين بشأننا من مثقفين وأكاديميين وسياسيين، ففي الوقت الذي أعلن فيه ترمب الاعتراف كانت هناك حرائق هائلة في ولاية كاليفورنيا انشغل بها الإعلام الأمريكي.

 

أصلاً غالبية الأمريكيين لم يستيقظوا بعد من صدمة كونه "رئيساً" لهم، رغم أن الاحتجاجات على انتخابه في ذلك الوقت تفجرت لدرجةٍ شعرنا معها أنه قد يستقيل أو تعاد الانتخابات مثلاً… لكن شيئاً من ذلك لم يحصل، وأصبح الأمريكيون الرافضون له مُسلمين بالأمر الواقع وانتهى.

 

وترمب بنفسه كان يدرك أن ذلك سيحدث لسبب بسيط أعاده أكثر من محلل الى خبرته الإعلامية على مدى عقود ومعرفته بردود فعل الجمهور… فالصدمة عند تلقي الخبر يتلوها هيجان كبير ما يلبث أن يهدأ ويسلم الجميع بالأمر ليصبح واقعاً…

  

ترمب يعلن رسميا اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل (الجزيرة)
ترمب يعلن رسميا اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل (الجزيرة)

 

فهل راهن ترمب على أن هذا سيحدث أيضاً مع إعلانه القدس عاصمة للكيان الصهيوني؟ فخرج بخطاب بليد وابتسامة بشعة عند قوله "سيكون هناك خلافات لكنها ستمر.. وستبقى القدس عاصمة إسرائيل ومكان للصلاة للأديان الثلاثة بسلام".. بسلام طبعاً.. السلام الذي يعرفه وتمارسه "إسرائيله" الحبيبة.

 

لقد اعترف ترامب بذنبه قبل الجميع وأمامهم، ولا تهمه أي من تلك الذنوب التي يحملها طوال حياته، فهو واضح العنصرية وكامل العدائية تجاه كل ما ليس يشبهه "أبيض وأمريكي".. وقد وصل بعد الرئاسة إلى أهدافه الكبرى التي يتقدمها تهيئة كل التسهيلات والمساندات لدولة الاحتلال.. واستكمال تدمير المنطقة العربية وضرب بعضها ببعض، مدركاً الصمت الذي سيتلقاه من قبل زعماء البلاد العربية المتواطئين على شعوبهم من أجل كراسيهم وقروشهم.

 

لم يكن وصول ترمب نكتة رغم أننا ضحكنا كثيراً وقتها، لكنها كانت ترتيباً من قبل صناع القرار الأمريكي لتيسير كثير من القضايا التي كانت تؤجل من قبل رؤساء قبله وعلى رأسها تأجيج الصراع في فلسطين بالاعتراف بالقدس كعاصمة لليهود.

 

لقد اعترف ترمب بذنبه لكن آخرون يؤجلون اعترافهم ويهربون من ضمائرهم ولا يرون إلا على مسافة أنوفهم، خائفون هم من شعوب أكل الزمان بطونهم من الجوع والظلم، يؤجلون ذنوبهم لاعتقادهم بقدرتهم على تأجيل هيجان شعوبهم، فهل ستثور الشعوب وهل الطغاة ستتوب؟

 

قلبي على المظاهرات التي تُسيّرها القلوب الباكية والعيون الواهنة من كثرة النكسات والانكسارات التي تتلقفها، قلبي وروحي على قدس ظللنا نُمنّي النفس بصلاة فيها، بوقفة اعتزاز وانتصار على أسوارها، وبمشهد ذلّ وانحسار لطغاة تحت أقدام قادة حقيقيين يعلنوها كما هي وكما كانت وستبقى… قدس عربية إسلامية وعاصمة فلسطين الأبدية. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.